«سوق عكاظ» يؤسس للمسرح التاريخي الجاد في السعودية
اعتبر عدد من الكتاب المسرحيين أن لسوق عكاظ قصب السبق في إعادة الحراك المسرحي الثقافي والهادف في السعودية، بل إنه بات علامة فارقة في تاريخ الحركة المسرحية المحلية، مشيدين بخطة السوق في تنوع مصادر الكتابة في كل عام ما أسهم في تنويع الرؤى الكتابية والفنية على حد سواء، ولفتوا إلى أن مسرحية حفل الافتتاح أسست للمسرح التاريخي بصورة ممنهجة لا تركن إلى الاجتهاد.
وأكد محمد العثيم الكاتب المسرحي السعودي الذي كتب أول مسرحية في تاريخ سوق عكاظ في عام 1431هـ وكانت عن امرؤ القيس، أن مسرح سوق عكاظ يشكّل بالفعل نقلة حقيقية في مسيرة المسرح السعودي في شتى المجالات مستشهدا بالعرض الذي قدمه قبل نحو ثلاثة أعوام، معتبرا العرض المسرحي المصاحب لأنشطة سوق عكاظ قرارا صائبا وفكرة رائدة لإعادة إنعاش المسرح السعودي من خلال تظاهرة تمثل تاريخ العرب ولغتهم وأدبهم، ولا سيما أن المسرح يأتي في أعلى قائمة الثقافة البصرية التي تجذب الجمهور وتقدم القيم بأسلوب ماتع ويناسب كل المستويات الاجتماعية.
ولفت إلى أن مسرح سوق عكاظ يتميز بأنه يقدم وجبة مسرحية توازي مكانة الضيوف الحاضرين كون المسرحية المصاحبة للافتتاح يحضرها المتلقي العربي وضيوف المناسبة، مبينا أن سوق عكاظ أصبح ظاهرة ثقافية عربية وهذا يستوجب أن تتوافر الاحترافية في العمل المقدم على مستوى النص والإخراج، واقترح أن يستثمر مسرح سوق عكاظ في استضافة مسرحيات من مختلف مناطق السعودية تقدم عروضا خلال فترة السوق الممتدة لـ 15 يوما، وأن يكون ضمن أنشطة السوق مهرجان مسرحي لعرض الأعمال النوعية بمشاركة أفرع جمعيات الثقافة والفنون.
وعن سر رهانه على نجاح العمل المسرحي أمرؤ القيس الذي كتب نصه، قال العثيم: "ما زلت أراهن أن مسرحية امرؤ القيس حققت نجاحا باهرا وذلك بفضل القدرة الاحترافية التي نفذت العمل كذلك وجود مهندس مسرح متخصص تولى مهمة إخراج العمل ما نتج عنه عمل أكاديمي واحترافي مقنن. وأتمنى أن يكون لمسرح سوق عكاظ بصمة واضحة في المسرح السعودي وخصوصا أن المسرح يشكل عامل جذب ومحرك رئيس لوسائل الإعلام إذ إنه يعمل على إحداث تظاهرة ثقافية من شأنها تحريك المياه الراكدة إعلاميا وتعيد الأضواء للنقد المسرحي".
من ناحيته، نوه المخرج المسرحي رجا العتيبي مدير جمعية الثقافة والفنون في الرياض، إلى أن السوق فتح الأفق لمشاركة كوادر تمثيل متنوعة، ومنح أيضا فرصة للتنوع في كتابة النص المسرحي، مؤكدا أنه إضافة مسرحية مهمة وتحديدا في مجال المسرح التاريخي وهي حلقة تكاد تكون مفقودة في الحراك المسرحي السعودي، وبحضوره من خلال مسرح سوق عكاظ يكون السوق أسس للمسرح التاريخي بصورة منهجية بعيدة عن الاجتهادات الفردية.
وتابع: "يقدم مسرح السوق نماذج متميزة فمنذ عقد من الزمان شكلت المسرحيات التي تناولت شعراء المعلقات العشر نموذجا ذهنيا راقيا لدى المسرحيين والجماهير، وشاهدنا كيف تقاطع العمق التاريخي مع الواقع المعاصر من خلال الإسقاطات الفنية في المسرحيات والتي هدفت لبناء المستقبل، حيث إن محاور الماضي لا تعني الركون إليه بل لا بد أن تشكل تلك المحاور نقطة انطلاق نحو المستقبل، وأن تكون أيضا مدعمة برؤى فنية جديدة باعتبار هذا النوع من الفنون لبنة رئيسة في بناء حضارات الأمم".
أما الدكتور سامي الجمعان الكاتب المسرحي الذي أسندت إليه كتابة مسرحية هذا العام عن "الأعشى الكبير" فأوضح أن مسرح سوق عكاظ يحمل رؤية بعيدة المدى تتجاوز الكثير من الرؤى المحدودة وتتجلى في اهتمامه وعنايته بشتى الآداب والفنون، مشيداً بالاهتمام الكبير الذي يوليه سوق عكاظ للمسرح، من خلال ما يقدمه من عروض تواكب حفل الافتتاح إلى جانب العروض المسرحية في الجادة عبر مسرح الشارع. واعتبر أن النقطة الأهم في التوجه الذي يتخذه سوق عكاظ في الشأن المسرحي بوصفه توجها مدروسا إذ يتكئ على أهداف واضحة وعميقة تجسد الماضي في أطر درامية حديثه قادرة على مواكبة الحركة المسرحية بمعطياتها الجديدة.
وأشار إلى أنه من الأمور والخطوات التي تحسب لسوق عكاظ قدرته على صنع جاذبية وتأثير، موضحاً أن مسرح سوق عكاظ استطاع أن يصبح نقطة تحول في الحراك المسرحي السعودي ورافدا أساسيا لصناعة مسرح وطني يجمع بين التاريخ والمعاصر، واصفا إياه بأنه تجربة تحظى بالرعاية والدعم الكبيرين من لدن المسؤولين في السعودية الأمر الذي يجعلها تجربة ثرية ومتميزة وقادرة على الديمومة.
وحول التنوع في مصادر كتابة النصوص المبدأ الذي عملت وفقه اللجنة المعنية بالعمل المسرحي خلال الأعوام السابقة، قال الجمعان: "إن تنويع مصادر الكتابة المسرحية والتي يتبناها القائمون على سوق عكاظ بشكل واضح وجلي كذلك منح الكتّاب السعوديين فرصة المشاركة يجير للسوق ويعود بالنفع على الكاتب نفسه كونه يمثل تجربة ثرية له ويحقق لمصلحة مسرح عكاظ أولويه طرح تجارب كتابية مختلفة ما يجعل منه محطة تجمع كل المدارس الكتابية المسرحية المتنوعة".