تهويل أضرار حوالات العمالة الوافدة غير مبرر
أتفق تماماً مع ما ورد في مقال الزميل الكاتب صالح الشيحي، بعنوان: ''الدنيا أخذ وعطاء''، المنشور في صحيفة ''الوطن'' في العدد 4675، الذي استغرب فيه الكاتب من تهويل بعض الزملاء الاقتصاديين تحويلات العمالة الوافدة للخارج، مستنداً في ذلك إلى أن آخر تقرير اقتصادي صدر في هذا الشأن، يفيد بارتفاع تحويلات الأجانب إلى نحو 109 مليارات ريال خلال عام 2013.
إن استغراب الكاتب تهويل بعض الاقتصاديين حجم تحويلات الأجانب وفق ما ورد في المقال سالف الذكر، مرده عدم منطقية ومعقولية أن تأتي العمالة الوافدة للعمل في السعودية لتقبض رواتبها وتقوم بصرفها بالكامل في بلادنا، ثم تغادر إلى بلادها خالية الوفاض والجيوب، ولا سيما أن العامل الوافد عندما يأتي إلى بلادنا، يأتي باحثاً عن المال ليسد به أفواهاً جائعة تركها خلفه في بلده الأصلي. ومن هنا أكد الكاتب أنه لا ينبغي لنا أن نتعامل بحساسية مع هذه التحويلات مهما ارتفع حجمها.
وما يضاعف من استغرابي من تهويل قيمة وحجم التحويلات الأجنبية عندما يصفها البعض بأنها استنزاف وهدر جائر لمواردنا الاقتصادية ولاحتياطياتنا واستثماراتنا المقومة بالعملات الأجنبية، وأنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بمقدراتنا ومكتسباتنا الاقتصادية، متجاهلاً تماماً ضخامة وحجم الاقتصاد السعودي وما يمتلكه من احتياطيات ضخمة بالعملات الأجنبية، الأمر الذي يؤكده الإشادة الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي بالأداء القوي للاقتصاد السعودي، وتأكيده أيضاً أن المملكة أصبحت من أفضل البلدان في أعضاء مجموعة العشرين أداءً في السنوات الأخيرة، وإشادته كذلك بما حققه الناتج المحلي الإجمالي من نمو جيد بلغ معدل 5.1 في المائة في عام 2012.
النشرة الإحصائية الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في أيار (مايو) من العام الجاري، أشارت إلى أن حجم الأصول الاحتياطية سجل نمواً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية وبالتحديد خلال الفترة من 2008 - 2013، وبالذات بالنسبة للأصول المتمثلة في النقد الأجنبي والودائع والاستثمارات في الأوراق المالية في الخارج، فقد نمت قيمة تلك الأصول بما يزيد على 50 في المائة خلال تلك الفترة، حيث قد بلغت قيمتها 1,650 مليار ريال بنهاية عام 2008، وارتفعت لتصل قيمتها إلى ما يقارب 2,515 مليار ريال بنهاية أيار (مايو) من العام المذكور، وهناك تقرير آخر خارجي يشير إلى احتلال المملكة المركز الثالث بعد الصين واليابان من حيث حجم الاحتياطيات الأجنبية أو الموجودات الأجنبية.
لعله من المهم جداً الإشارة إلى أن النمو الملحوظ في أعداد العمالة الوافدة إلى المملكة خلال السنوات القليلة الماضية بنحو نسبة 37 في المائة وبالتحديد خلال فترة التعداد السكاني للمملكة 2004-2010، أسهم بشكل ملحوظ في زيادة قيمة التحويلات للخارج، ولا سيما أنه قد صاحب هذا النمو، زيادة في أجور العمالة الوافدة التي صاحبت الزيادة في أجور السعوديين، وكذلك الارتفاع الذي حصل في مستوى الأجور على المستوى العالمي خلال الفترة الماضية. كما أن محدودية القنوات الاستثمارية والادخارية المتاحة محلياً للأجانب بشكل عام والعمالة الوافدة بشكل خاص، أسهمت بشكل كبير في نمو تحويلات العمالة الوافدة للخارج. كما أن عدم مرونة الأنظمة المرتبطة بالسماح للعمالة الوافدة لاستقدام عوائلها إلى المملكة، قد أجبرت العامل الوافد على تحويل جزء كبير من دخله إلى موطنه الأصلي لسد حاجات أفراد أسرته المالية والمعيشية.
وللتخفيف من حدة تحويلات العمالة الوافدة للخارج، الأمر يتطلب ابتكار وسائل وأدوات جديدة تساعد على أن يدخر وأن يوظف العامل الوافد جزءا من دخله داخل المملكة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تسهيل إجراءات تملك المساكن سواء لأغراض السكن الخاص أو الاستثمار، وفتح قنوات ومجالات استثمار متعددة للأفراد إلى جانب الاستثمار في سوق الأسهم وصناديق الاستثمار. كما أن الأمر يتطلب وفق ما أشار الكاتب صالح الشيحي، العمل على تعديل أنظمة العمل والاستقدام، بحيث يسمح للعامل الوافد الذي يصل دخله الشهري إلى حد معين، أن يستقدم عائلته، ما سيضطره لصرف جزء ليس باليسير من دخله الشهري في البلاد.
خلاصة القول إن حجم تحويلات العمالة الوافدة للخارج يعد في مستوياته الطبيعية والمعقولة، ولا سيما حين النظر إلى حجم الاقتصاد الوطني وما يمتلكه من استثمارات وأصول واحتياطيات بالعملات الأجنبية في الخارج، إضافة إلى النمو المطرد في أعداد العمالة الوافدة إلى المملكة خلال الأعوام القليلة الماضية لأسباب تنموية، والتغير الجوهري الذي طرأ على الأجور.
إن إيجاد حلول بديلة ومبتكرة للمحافظة على بقاء دخول الأجانب في المملكة، بفتح مثلاً المزيد من القنوات الاستثمارية والسماح لهم بحرية تملك العقارات سواء لأغراض السكن الخاص أم الاستثمار، إضافة إلى تسهيل إجراءات استقدام العمالة الوافدة لعوائلها، سيساعد دون أدنى شك على بقاء أموال ومدخرات الأجانب داخل المملكة، خصوصاً أن المملكة ستظل ولفترة طويلة في حاجة إلى العمالة الوافدة، وبالذات العمالة المدربة والمؤهلة للمساهمة في الحراك التنموي الذي تشهده المملكة، والتوسع الكبير في بناء المشاريع، وبالذات المشاريع المرتبطة بقطاعات معينة، مثل قطاع التشييد والإنشاءات وقطاع الصناعة.
ما يهمني في الأمر هو أن تعكس قيمة هذه التحويلات أجوراً حقيقة، وألا تكون نتاج عمليات غير نظامية كالتستر التجاري، وأن يتم تحويلها عبر القنوات النظامية والرسمية.