المواطنة ما بين تحدي الذات والقانون
القوانين الأخيرة أرضية لتصحيح وضع العمالة، ومنها تعديل مواد في نظام العمل وما تبعه من حملات ومهلة كشفت الكثير عن رغبة بعض المواطنين والمقيمين في أن يبقى البلد مسرحاً للمخالفين وتجار الإقامات وأيضا البشر والتستر وكثير من القضايا الجنائية المرتبطة بها، وكانت للأسف المقاومة شرسة ما بين متعاطف ومستفيد وحاقد وتاجر.
عندما اتخذت الدولة قرارها التاريخي خرج كثير من المشككين كالعادة وغالبيتهم من المنتفعين من تسيب العمالة وبدأوا يعملون ضد الدولة والقانون بالشائعات الحاقدة، وأن الموضوع لا يخرج عن كونه سحابة صيف ثم تعود الأمور إلى حالها وكثير من ألوان المقاومة للتنفيذ والتصحيح من أن هذا الإجراء سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة كل شيء وحصروا الموضوع في مخالفي نظام الإقامة وكأنه لا يوجد لدينا أكثر من ثمانية ملايين مقيم نظامي!
السؤال الذي يطرح دائما لماذا يقاوم البعض وبالذات من المواطنين رغبة الدولة والمجتمع لبسط القانون والنظام، ولماذا يحاولون دائما وضع العراقيل وافتعال العقبات وتضخيم السلبيات على حساب الإيجابيات، هل أصبحنا نفتقد القيم التي تغلب المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، والمصالح المحدودة على مصالح الوطن، ماذا نريد بالتحديد؟ هل نريد أن نقضي على البطالة والفقر والتستر والجرائم والتهريب وتسرب الأموال إلى الخارج وإرهاق الخدمات إلخ.. من السلبيات المرتبطة ببعضها البعض، التي لها علاقة بالعمالة السائبة والمخالفة لنظام الإقامة، أم العكس؟ أعتقد أنه لا بد أن نحدد موقفنا الشخصي من تلك الأمور فلا يوجد حل وسط، وقد اكتوينا بفعل العمالة السائبة والمخالفة لنظام العمل، والمسيطرة على سوق المواطنين ومصادر كسب عيشهم سنين، حتى أصبح هناك خلل واضح في اقتصاد التجزئة لدينا، الذي يعتبر أحد المصادر المتاحة والسهلة للدخل والقضاء على الفقر والبطالة والاقتصاد بوجه عام.
لا بد أن نحدد موقفنا ومواطنتنا ووطنيتنا تجاه تطبيق النظام والقانون لتعزيز جبهتنا الداخلية ومكتسباتنا وأمننا بمفهومه الشامل. ومما يدعو للسخرية أن هؤلاء الناس عندما يذهبون إلى أمريكا أو لدول أخرى لديها الصرامة في تطبيق القانون وبالأخص قانون الإقامة يكونون أكثر التزاما واحتراما لهذه الدول ويكيلون لها المديح والثناء، أما هنا فكأنه ليس من حقنا أن تحترم بلدنا وأنظمتها وقوانينها، لدرجة أن بعض الوافدين وبالذات غير النظاميين أصبحوا يمارسون كثيرا من السلوكيات السلبية ويتجاوزن الأنظمة ويدمرون الخدمات أكثر من المواطنين أنفسهم، ويجعلون سقف المخالفات التي يقوم بها المواطن مثالا له ومبررا ليقوم بما يقوم به.
نحن نتعايش ونعيش مع كثير من الإخوة المتعاقدين المحترمين للقانون والنظام ونظام الإقامة ونعتبرهم زملاء وإخوة وأصدقاء، وليس هناك ما يعكر صفو العلاقة منذ تأسيس المملكة، وقدموا كثيرا من الخدمات وأسهموا في بناء الوطن. وعلى النقيض المخالفون الجميع يعلم ما يفعلون ومقدار إساءتهم ليس للوطن والمواطنين بقدر إساءتهم لمن يلتزم بالنظام ويحترمه ويخدم البلد من الإخوة المقيمين النظاميين.
اليوم يجب أن نقف وقفة صادقة ومخلصة وشفافة مع أنفسنا ونؤيد ونؤازر كل ما فيه بسط النظام وتطبيق القانون، وأن نتحرر من السعي وراء المصالح المتركزة على الذات من منطلق أنا ومن بعدي الطوفان، فالدولة عندما تطبق أي نظام أو تنظيم ليس لمصلحتها دون شك، بل خدمة للمواطن. ومن خلال تقارير ودراسات أكثر شمولية واستراتيجية وفي آخر المطاف المواطن هو الدولة والدولة هي المواطن، وتكرار المهل والتصحيح هو نوع من التعاون الذي يجب أن يواجه بتعاون منا كمواطنين ومقيمين، وهناك أمثلة عديدة ضد مصلحة الناس شاهدناها سواء في حملات مراقبة الأسواق أو في الحملات الأمنية الأخرى، وكان الطرف الأساسي فيها المواطن، فهو صاحب العمل وهو من يتستر وينقل ويؤوي ويشغل من يقدمون لنا الطعام.