النبرة المذهبية
بعد أن أنهى الملك عبد العزيز توحيد المملكة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها عام 1932 أصبح كل من ينتمي إلى تراب هذا الوطن ويعيش تحت سمائه مواطناً على درجة واحدة يتساوى في الحقوق والواجبات، له ما له وعليه ما عليه.
اليوم وبعد قرن من الزمان هناك من يصنّف الشمالي والجنوبي والحجازي والنجدي والقصيمي، والقبيلي وطرش البحر، والليبرالي والإسلامي، وأخطر من ذلك السنّي والشيعي.
إن هذه التقسيمات الفئوية لا شك أنها تهدد السلم الوطني والنسيج الاجتماعي والعيش المشترك وتُوسّع الهوة وتزيد من الفجوة بين المناطق المختلفة وبين المواطنين أنفسهم وتكرّس النعرات القمئة النتنة، التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: (دعُوها فإنها مُنتنة)، خصوصاً عندما تستهدف فئة بعينها، وما يزيد الأمر سوءاً عندما تصدر تلك الممارسات من مواطنين آخرين إخوة وشركاء لهم في الوطن، وبالعودة إلى بعض الكتابات التي ظهرت علينا أخيراً بعد كشف خلية التجسس نلاحظ أوصافاً عنصرية دخيلة على ثقافتنا كلفظ ''خلية التجسس الشيعية '' و''بيان مثقفي الشيعة'' وكل ما يشكك في ولاء الشيعة لوطنهم من قضية الولي الفقيه والإمام الغائب إلى أن هناك مشروعاً فارسياً أو صفوياً كاملاً يستخدمهم – أي الشيعة - لخدمة أهداف النظام الإيراني، على الرغم من أن بيان وزارة الداخلية على خلفية القبض لم يُشر من قريب أو بعيد إلى ذلك ولم يُدن فيه بشكل مباشر أو غير مباشر مذهب أو منطقة معينة، واقتصر على تحديد عدد أفراد هذه الخلية وجنسياتهم من سعوديين وأجانب وما خططوا له. ولست هنا بصدد قراءة بيان المثقفين المشار إليه ومناقشته وتحليله، وإن كنت أقف بشدة ضد كل ما يهدد أمن هذه البلاد ولا أقبل أي مساومة عليه، لكن في الوقت ذاته أرفض كل من يرمي قبيلة أو منطقة أو تيارا أو مذهبا بتهمة معينة لمجرد أن أحدهم أو مجموعة منهم كتبت بياناً أو تبنت وجهة نظر مهما كان مضمونه فهم من يتحمل تبعاته، قال تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، في المقابل لم يُطلق مثلاً على بيانات أصدرها بعض علماء السنّة التي قد يختلف بعضنا حولها بـ ''بيان مثقفي أو علماء السنة'' أو أي تصنيف مذهبي آخر، إنما كان انتقاداً بنّاء – أحياناً - لجوهر فكرهم، كما لم نسمع عن مصطلح خلية سنّية عندما نشرت الجهات الأمنية قبل سنوات عدة قوائم المشتبه بهم، فتغليب مبدأ ''الكيل بمكيالين'' على شعار ''المساواة في الظلم عدل'' واضح جلي للعيان، ومن هنا أهيب بوزارتي الداخلية والإعلام أن تتبنيا مشروع قانون - أو تفعيله إن كان قائماً - يمنع نشر أو إذاعة كل كتابة أو حديث تشوبه نبرة مذهبية أو نعرة قبلية ويجّرم مرتكبيه لما فيه من تهديد لأمن واستقرار ووحدة الوطن ولُحمة المواطنين.