مكافحة المخدرات مسؤولية مشتركة
كشف اللواء عبد الله الجميل، مدير إدارة المخدرات في المنطقة الشرقية خلال استضافته في ''سبتية'' الإعلامي والأديب فالح الصغير، والتي تناقلت أجزاء منها بعضاً من الصحف المحلية، عن التحديات التي تواجهها السعودية للحد من انتشار آفة المخدرات بين فئات المجتمع السعودي على وجه العموم، وبين فئات الشباب على وجه الخصوص، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، المساحة الجغرافية الشاسعة للمملكة، واتساع رقعة حدودها، والأوضاع غير المستقرة بعددٍ من دول الجوار.
من بين الأسباب كذلك المحفزة لاستهداف المملكة بالمخدرات، أن النسبة العظمى من مواطنيها هم من فئة الشباب، الذين في الغالب ما يستهدفون من قبل صانعي ومروجي المخدرات، باعتبار أن فئة الشباب في أي مجتمع، سواء في المجتمع السعودي أو في غيره تعتبر فئة مغرية للغاية لصانعي ومروجي المخدرات للاستهداف وبالذات في السعودية، حيث تشكل نسبة الشباب النسبة العظمى من تركيبة المجتمع السعودي؛ إذ تشكل نسبة الشباب في المملكة تحت سن 30 عاماً نحو 60 في المائة وأكثر من هذه النسبة بالنسبة للفئات العمرية الأقل سناً. ومن بين الأسباب أيضاً التي تجعل من المملكة بلداً مستهدفاً لترويج المخدرات، حقد شرذمة في الخارج على أمن المملكة واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والمحاولة اليائسة والبائسة في الوقت نفسه للنيل من هذا الاستقرار من خلال استهداف الشباب بتوريطهم في المخدرات، ومن ثم استخدامهم أدوات للعبث باستقرار هذا البلد وأمنه.
أوضحت صحيفة الشرق في عددها 498 على لسان اللواء عبد الله الجميل، ضيف تلك الاستضافة التي نقلت الصحيفة، أجزاء منها، أن المملكة تواجه ثلاثة أنواع من المخدرات التي تٌعد الأكثر انتشاراً وهي الكبتاجون والهيروين وأخيراً الحشيش، لكن يُعد الكبتاجون الشر المستطير الذي أزاح عن الهيروين الصدارة، في حين يٌعد الحشيش الأسهل في التهريب. وأوضحت الصحيفة أيضاً أن نسبة ترويج المخدرات وتهريبه في الأعوام التسعة الماضية قد تضاعفت 1000 في المائة عما قبلها من السنوات، وأن المملكة تعتبر هدفاَ رئيساً لصانعي المخدرات والمروجين لها، وبالذات التي تشهد اضطرابات أمنية مثل أفغانستان والعراق واليمن.
الحكومة السعودية لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه انتشار ظاهرة المخدرات بأنواعها المختلفة في المملكة، حيث شهدت المديرية العامة لمكافحة المخدرات تطورات متعددة في مجال العمل التخصصي والمؤسسي المرتبط بمكافحة المخدرات والقضاء عليها، وتعاملت مع القضاء على هذه الآفة الخطيرة على أنها مواجهة حياة أو موت، منذ أن بدأت مسيرة المكافحة في المملكة قبل نحو 80 عاماً حينما أصدرت المملكة أنظمة تكافح المخدرات في المملكة وتجرمها، حيث على سبيل المثال صدر في عام 1953 أول نظام لمكافحة المخدرات وتعاطيها والاتجار بها، تحت مسمى ''نظام منع الاتجار بالمواد المخدرة واستعمالها''؛ ليشكل بذلك الركيزة النظامية الأساسية الأولى لمكافحة المخدرات بالمملكة، وبعدئذ بنيت على هذا النظام قرارات أخرى صدرت تباعاً والتي حددت عقوبات حائزي ومروجي ومهربي المخدرات والاتجار بها، لتشكل بذلك جميع تلك القرارات نواة رئيسة للنظام المتكامل لمكافحة المخدرات في المملكة الذي صدر في عام 1426 والذي تضمن 74 مادة بدأ العمل بها اعتباراً من شهر المحرم من عام 1427. وتمكنت جهود المديرية العامة لمكافحة المخدرات على سبيل المثال لا الحصر خلال ستة أعوام مضت (1426 ـــ 1433) في المملكة أن تضبط كميات كبيرة جداً من أنواع المخدرات وتمنع دخولها وانتشارها في المملكة، وذلك من خلال مباشرة نحو 65.591 قضية وصلت فيها أعداد المتهمين إلى نحو 565,435 متهماً.
الجمارك السعودية في المقابل تتخذ الإجراءات والاحتياطات والتدابير كافة الكفيلة بحماية الاقتصاد الوطني والمجتمع من كل ما يهدد أمنه واستقراره، التي من بينها على سبيل المثال اتخاذ التدابير الكفيلة بضبط المخدرات ومنع دخولها إلى البلاد؛ الأمر الذي يسهم بفاعلية تامة في مكافحة انتشار المخدرات في المملكة والقضاء عليها، وحماية أفراد المجتمع من الوقوع ضحية لها.
على الرغم من الجهود المشتركة الكبيرة، التي تبذلها أجهزة الدولة في مجال مكافحة المخدرات في المملكة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، المديرية العامة لمكافحة المخدرات، ومصلحة الجمارك والمديرية العامة لسلاح الحدود، والهيئة العامة للتحقيق والادعاء العام، والرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، إلا أن القضاء على انتشار المخدرات في المملكة يتطلب توسيع نطاق تلك الجهود لتشمل مساهمة ومشاركة جميع فئات وطبقات المجتمع، باعتبار أن مكافحة المخدرات في المملكة ومنع انتشارها، تُعد مسؤولية جميع أفراد المجتمع باعتبار أن الجميع سيلحقه الضرر بشكل أو بآخر من انتشارها وتغلغلها في المجتمع.
من هذا المنطلق، فإن الأمر يتطلب تبني تطبيق استراتيجية إعلامية توعوية على مستوى الوطن، حيث يحدد من خلالها الأدوار المختلفة لأفراد المجتمع ومؤسساته المتعددة ''العامة والخاصة''، بما في ذلك الدور المنوط بمؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات التعليم العام والخاص على حد سواء، ولا سيما أن مدير إدارة مكافحة المخدرات بالمنطقة الشرقية، قد أشار في حديثه عن جهود الدولة في مجال مكافحة المخدرات بأنها في حاجة إلى مزيد من جهود التوعية المصاحبة، حيث تعمل جنباً إلى جنب مع جهود الدولة في المكافحة والقضاء على آفة المخدرات ومنع انتشارها في المملكة، وبما يحقق الحماية الكافية واللازمة لأبنائنا وشبابنا وجميع أفراد المجتمع من أضرارها ومخاطرها الصحية والاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك الأمنية، ليصبح بذلك مجتمعا خاليا ـــ بإذن الله ـــ من المخدرات وشرورها.