مستقبل قطاع المقاولات السعودي 2040

حدد ملتقى ''صناعة المقاولات 2040''، والذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية بتاريخ 23 نيسان (أبريل) 2013، برعاية الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز، وزير الشؤون البلدية والقروية، مستقبل صناعة المقاولات في السعودية، مستنداً في ذلك إلى اعتبارات عدة، من بينها الأهمية الاقتصادية لقطاع المقاولات بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، إضافة إلى أن أعمال القطاع تتقاطع مع عديد من الأنشطة الاقتصادية؛ ما يضاعف من فرص التوطين للعمالة السعودية، ويسهم بفاعلية في مضاعفة مساهمة الأنشطة الاقتصادية الأخرى في الناتج المحلي غير النفطي.
ويأتي تبني الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية لفكرة عقد مثل هذا الملتقى بناءً على اعتبارات عدة، من بينها وكما أشرت أهمية قطاع المقاولات بالنسبة للاقتصاد الوطني، وأيضاً المحاولة الجادة للخروج بالحلول والتوصيات المناسبة للتغلب على عديد من المعوقات التشريعية والتنظيمية والإدارية بما في ذلك التمويلية التي تحد من تطور القطاع وتضعف من مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة.
ويمكن تقسيم المعوقات التي تواجه قطاع المقاولات في المملكة والتي تحد من قدرته على النمو والتطور، إلى تقسيمات عدة، من بينها ما له ارتباط وعلاقة بالجهة الحكومية صاحبة المشروع، وأخرى لها علاقة بالمقاول، أو بالاستشاري، أو بوزارة المالية، أو بوزارة العمل أو بجهات التمويل. وقد كشف ديوان المراقبة العامة في وقت سابق عن أبرز المعوقات التي تواجه تنفيذ المشاريع الحكومية في المملكة، وتتسبب في إما تعثرها أو في تأخيرها، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، عدم توافر الأراضي، وضعف الاعتمادات المالية، والإفراط في التقاول من الباطن، إضافة إلى ضعف التخطيط للمشروعات في مراحل إعداد دراسات الجدوى، وكثرة التعديلات وتعدد أوامر التغيير بالحذف أو الإضافة أثناء مراحل التنفيذ؛ ما يتسبب في تمديد فترات العقود وزيادة تكاليفها المالية وتكاليف الإشراف، إضافة إلى تأخر الاستفادة من المشروع.
الدكتور سعيد الشيخ، عضو مجلس الشورى وكبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري، عزا المعوقات والتحديات التي تواجه قطاع المقاولين في المملكة من خلال ورقة عمل قدمها في الملتقى المذكور، إلى أسباب عدة، من بينها اتسام قطاع المقاولات ببنية شبه احتكارية، يهيمن عليها عدد محدود جداً من المقاولين الكبار؛ ما يؤدي إلى حدوث مخاطر في تركز ترسية المشاريع على مقاولين محدودين من جهة، وإلى تركز الائتمان المصرفي الممنوح لهم من جهة أخرى. من بين الأسباب أيضاً التي حدت من تطور القطاع، مشكلة جدولة السداد المطولة من جانب الشركات الكبيرة؛ ما يثير القلق إزاء تقلبات التدفقات النقدية المستحقة على المقاولين للمقاولين، إضافة إلى عدم توافر الشفافية الكافية في نظام تصنيف المقاولين، والتركيز على القدرة الفنية وإغفال التركيز على القدرات المالية والإدارية والمعلوماتية لدى المقاول.
إن الخروج من مأزق الصعوبات والمعوقات التي تواجه قطاع المقاولات وتحد من نموه وازدهاره؛ فالأمر يتطلب إعادة النظر في نظام تصنيف المقاولين، حيث يتم تركيز التصنيف على جميع النواحي ذات العلاقة بالقدرة الفنية والمالية والإدارية والتنظيمية بما في ذلك المعلوماتية للمقاول. كما أن الأمر يتطلب إخضاع شركات المقاولات لنوع من أنواع التحالفات والدخول في اندماجات، حيث نكفل توافر شركات مقاولات قوية ومتينة إدارياً وفنياً ومالياً، قادرة على تنفيذ المشاريع الكبيرة بالكفاءة المطلوبة. الدكتور سعيد الشيخ طالب في ورقة العمل المذكورة، بتأسيس صندوق تنموي لتمويل المقاولين والمشروعات التي تسند إليهم، وبالذات لصغار المقاولين الذين هم في الغالب الذين يواجهون صعوبات شتى في الحصول على التمويل المطلوب لمشاريعهم.
من بين المطالبات أيضاً للارتقاء بأداء قطاع المقاولات في المملكة، ضرورة إعادة النظر في أسلوب وطريقة ترسية المشاريع ونظام المشتريات الحكومية، حيث يصبح أكثر مرونة وتجاوباً مع المتغيرات التي تطرأ على الأسعار العالمية للمواد والخدمات بما في ذلك أسعار الصرف. هنالك مطالبات أيضاً من قبل المقاولين بتبني الحكومة تطبيق عقد فيديك العالمي؛ نظراً لما يتميز به من تحقيق مستويات عالية جداً من الشفافية في التعاقدات، وقدرته الفائقة على توفير الحماية اللازمة بشكل منصف وعادل لجميع الأطراف أصحاب العلاقة في المشروع الحكومي.
خلاصة القول، إن قطاع المقاولات في المملكة يواجه عديدا من التحديات والصعوبات، التي تحد من قدرته على التطور والتقدم وتفعيل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة؛ إذ لا تتعدى مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة نسبة 9 في المائة. من بين المتطلبات لتفعيل مساهمة قطاع المقاولات في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، توسيع قاعدة الشركات الكبيرة بتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة بالدخول في نوع من أنواع التحالفات والاندماجات، حيث نكفل وجود شركات مقاولات كبيرة قادرة ومؤهلة فنياً ومالياً وإداريا وحتى تنظيمياً على تنفيذ المشاريع الكبيرة.
من بين الحلول أيضاً، ضرورة إعادة النظر في أسلوب وطريقة تصنيف المقاولين وترسية العقود ومتابعتها من قبل الجهات الحكومية المختلفة صاحبة المشاريع، إضافة إلى ضرورة تدعيم الأجهزة الحكومية بخبرات هندسية وإشرافية على مستوى عالٍ من الخبرة والدراية العلمية والعملية في مجال المتابعة والإشراف على تنفيذ المشاريع وتصميمها.
أخيراً وليس آخراً، فإن الأمر يتطلب التفكير في ابتكار آليات تمويل جديدة ومتطورة، تسهم في حل مشكلة التمويل التي تواجه شركات المقاولات وبالذات الصغيرة والمتوسطة منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي