الأزمة المالية القبرصية .. خطط الانقاذ الاوروبية
الأزمة المالية القبرصية .. خطط الانقاذ الاوروبية
أن الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت الإقتصاديات العالمية في منتصف عام 2008، أدت إلى انخفاض معدلات النمو الإقتصادي في كثير من الدول المتقدمة منها أو النامية، كنتيجة لانخفاض النشاط ومعدل التبادل التجاري الدولي، وتقلبات وتراجع الأسعار، وزيادة معدلات البطالة، وارتفاع عجز الموازنات، والمديونيات الناتجة عن خطط الإنقاذ والتحفيز التي تم استخدمها من قبل إقتصاديات الدول المختلفة، لمحاولة الخروج من حالة الركود الإقتصادي الناتج عن الأزمة. حيث شهد العالم تحول من أزمة رهون عقارية بدأت في إقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2007، إلى أزمة ديون اجتاحت إمارة دبي في نهاية عام 2009 ، وأزمة ديون سيادية اجتاحت إقتصاديات منطقة اليورو منذ مطلع عام 2010، بدأت في الإقتصاد اليوناني مروراً في العديد من إقتصاديات دول منطقة اليورو(ايرلندا، البرتغال، أسبانيا، أيطاليا، قبرص)، وأصبح القلق مسيطر من إنتقال العدوى إلى باقي إقتصاديات دول العالم.
تتصاعد المخاطر التي يواجهها القطاع المصرفي القبرصي، وهناك تخوف من انتقال تلك المصاعب إلى القطاعات المصرفية الاوروبية، حيث اعتبرت وكالة موديز Moody's للتصنيف الائتماني من ان قبرص ستبقى عرضة فترة طويلة لمخاطر التخلف عن سداد الديون والخروج من منطقة اليورو، رغم المصادقة على خطة الانقاذ والتي حددت قيمة المساعدات المقدمة من الاتحاد الاوروبي، والبنك المركزي الاوروبي، وصندوق النقد الدولي بقيمة 10 مليارات يورو(13 مليار دولار)، وان تحصل على الدفعة الاولى في شهر مايو القادم لدفع رواتب الموظفين العمومين، مع اشتراط قيام قبرص بتطبيق سياسية تقشف مالي، من خلال اعادة هيكلية البنوك، وفرض ضرائب على الودائع البنكية، والقيام بعمليات خصخصة. فهل استطاعت خطط انقاذ الترويكا لدول اليونان، وايرلندا، والبرتغال، واسبانيا في حل اشكاليتها المالية ، حتى تستطيع انقاذ الإقتصاد القبرصي .
خطط الانقاذ اليونانية البالغة 240 مليار يورو لم تساعد كثيراً في عودة الاستقرار للاقتصاد اليوناني، مؤشرات الإقتصاد الكلي لعام 2012 اظهرت ان النمو الإقتصادي تراجع بنسبة -4,7% ، وبلغ عجزميزان الحساب الجاري -7,8% ، وارتفعت البطالة إلى 19,8 % ، وتراجع التضخم إلى- 0,5%، بلغ عجز الموازنة العامة - 7,3% كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، والدين العام بلغ 160,6% كنسبة من الناتج ، ومؤشرات عام 2013 لم تظهر أي تحسن حيث تراجع النمو بنسبة – 7,1 ، وتراجع الطلب المحلي -10,2 % ، وارتفعت البطالة إلى 26 % ، وبلغ الدين العام 156,9 % .
لم يكن الإقتصاد في البرتغال او ايرلندد افضل حالاً فمؤشرات الإقتصاد الكلي اظهرت لعام 2012 ان النمو الاقتصاي بلغ -3,3 %، والعجز في الحساب الجاري بلغ -3,6 % ، وبلغت البطالة 15,5 % ، والتضخم 3 % ، والعجز في الموازنة العامة -4,7 % كنسبة من الناتج ، والدين العام 113,9 %. وايرلندا بلغ النمو الإقتصادي 0,5+ ، وميزان الحساب الجاري 1,6+ ، والبطالة 14,3% ، والتضخم 1,7% ، والعجز في الموازنة -8,3% ، والدين العام 116,1 %.
ديون البرتغال المستحقة بلغت قيمتها 68 مليار دولار ، وديون ايرلندا المستحقة بلغت 52 مليار دولار ، نتيجة عدم المقدرة على السداد، وتم اعطاء البرتغال وايرلندا مهلة اضافية لعدة سنوات لسداد ديونها المترتبة على حزمتي انقاذهما .اسبانيا التي استلمت حزمة انقاذ بقيمة 100 مليار يورو لبنوكها المتعثرة ليست افضل حالاً ، النمو الإقتصادي تراجع إلى -1,8 % ، وعجز الميزان الجاري -2% ، وبلغت البطالة 24,4 % ، والتضخم 3,4 %، والعجز في الموازنة -6,4 % ، والدين العام 80,9 %.
واقع الإقتصاد القبرص يترك المجال مفتوح امام قدرة قبرص على التعافي ،حيث انضمت قبرص للاتحاد الاوروبي في ايار 2004، وإلى منطقة اليورو في يناير 2008، تبلغ مساحتها 9251 كم 2، وعدد سكانها 817 الف نسمة، بلغ الناتج المحلي لها 18 مليار يورو لعام 2012 وهو الادنى في دول الاتحاد الاوروبي باستثناء (استونيا، ايسلندا، مكدونيا، ومالطا).
مؤشرات الإقتصاد الكلي اظهرت ان النمو الإقتصادي تراجع من 1,1 % في عام 2010، إلى 0,5 % في عام 2011، وإلى -0,8 في عام 2012، بلغت واردتها السلعية 5,7 مليار يورو مقابل 1,4 مليار يوررو صادرات ، وبلغت صادرتها من السلع 7,8 % من الناتج المحلي، في حين بلغت 43,3% من السلع والخدمات، وبلغ العجز في ميزان الحساب الجاري -8,7% ، في عام 2010 ، و-7,3 % في عام 2011 ، -7,7 % في عام 2012 . وارتفعت مستويات البطالة من 6,2% في عام 2010 ، إلى 7,8% في عام 2011، وإلى 9,8 % في عام 2012، وبلغت مستويات التضخم 2,6 في عام 2010، 3,5% في عام 2011 ،3,4% في عام 2012 .
عجز الموازنة كنسبة من الناتج سجل 5,3- في عام 2010 ، وارتفع ليصل إلى -6,3 % في عام 2011، ليتراجع إلى -3,4 % في عام 2012، والدين العام بلغ 61,5 % في عام 2010، إلى 71,6 % في عام 2011 ، وإلى 76,5 % في عام 2012 ، وتوقعات 2013 بلغت 78,1 % (قبل الازمة)، لم تلتزم قبرص وغيرها العديد من دول منطقة اليورو في اتفاقية ماستريخت للاستقرار، حيث زاد عجز الموازنة عن المسموح به (3%)، وارتفع الدين العام ايضاً عن ما هو وارد في الاتفاقية (60% )، مؤشرات الإقتصاد الكلي تظهر ان الإقتصاد القبرصي يعاني من مشاكل هيكلية، فهل تستطيع خطة الانقاذ معالجتها.
التدابير المتخذة لا تبدو فعالة حيث يتم إنفاق رأس مال كبير على تدابير لها آثار صغيرة، أن تطبيق برنامج التقشف الصارم من المتوقع أن يؤدي إلى انخفاض الطلب بشكل كبير على السلع والخدمات، ودفع الإقتصاد القبرصي إلى ركود عميق، سيؤدي إلى صعوبة في مواجهة متطلبات خطة الإنقاذ، لذلك لابد من السلطات المالية، والنقدية القبرصية تصميم وتنفيذ السياسات الإقتصادية، التي من شأنها تعزيز النمو الإقتصادي، والحد من مستويات البطالة. والاعتماد على جذب الاستثمارات للقطاعات الإقتصادية، وزيادة الوردات السلعية وغيرها من الخطوات التي تزيد من كفاءة وفعالية الإقتصاد الحقيقي، وزيادة الرقابة والاشراف على المؤسسات المالية.