«إطعام».. فليتنافس المتنافسون
قبل يومين قمت بزيارة لـ ''إطعام''، أول بنك للطعام في الخليج، الذي يهدف أساساً إلى تعزيز ثقافة حفظ النعمة، خاصة في ظل أربعة ملايين وجبة طعام ترمى يومياً في المنطقة الشرقية وحدها. ''إطعام'' لا ينافس الجمعيات الخيرية بقدر ما يتكامل معها. خلال نحو عامين من انطلاقته، تمكن من الاتفاق مع عشرات الفنادق والمطاعم وصالات الأفراح. قام فريق من المتطوعين بعشرات البرامج التوعوية. استطاع أن يرسخ مفهوماً انتشر بين شرائح مختلفة ومتنوعة بسرعة مذهلة، ولديه خطة طموحة لتفعيل هذه الثقافة بين طلاب المدارس، حيث يكونون الخط الدفاعي الأول في منازلهم، ويهدف إلى إيقاف سلوكيات غذائية خاطئة غدت عادات يعلم الجميع أنها كذلك، ولا يبذلون مجهوداً كافياً لتغييرها.
''إطعام'' لا يطلب تبرعات مالية ولا غيرها، وفي الوقت ذاته يستقبلها متى ما أتت المبادرة من المتبرعين، فهناك مجلس إدارة ومؤسسون اختاروا أن ينفقوا الملايين من أجل نجاح للمشروع الفريد من نوعه، ومع هذا فلا أحد يضمن استمرار النجاح المشروع طالما لم تمتد له أيادي خير أخرى من شركات كبرى ومصارف عُرف عنها بحثها عن مثل هذه الأفكار الخلاقة، فمن يدري ربما لا يستمر مجلس الإدارة في دورات قادمة، كما أنه ليس من المنطق هدم عمل مؤسسي باعتماده على مجموعة محدودة من رجال الأعمال، لا نختلف على تقدير دورهم، ولا نتوقف عن شكرهم.
عندما سألت المدير التنفيذي لـ ''إطعام'' حمد الضويلع عن مساهمة شركات كبرى بعينها ومصارف، تهرب بدبلوماسية يحسد عليها، مؤكداً أن المؤسسين يتنافسون على تمويل بنك إطعام ولم يتأخروا يوماً ما، بل إنه اقترح على مجلس الإدارة نشر ميزانية تفصيلية سنوية للمشروع في الصحف المحلية، تأصيلاً للشفافية التي يسير عليها المشروع.
لسنوات، إن لم نقل عقودا، وكبريات الشركات الوطنية والمصارف، تعاني الأمرين من الانطباع السلبي الذي تكون عنها، بضعف مساهماتها في المسؤولية الاجتماعية، وتركيزها على تحقيق الأرباح على حساب أدوار مجتمعية مهمة غائبة عنها، هذه الشركات والمصارف تعتبر أنها تقوم بدورها على أكمل وجه، وتكشف بين الحين والآخر عن أرقام مساهماتها وتعتبر أنها أكبر دليل على عدم إغفالها هذا الدور، في المقابل منتقدوها، وهم كثر، يرون أن تأثير ذلك ضعيف جداً ولا يتوازى مع إمكاناتها، أو حتى مقارنة بنظيراتها من الشركات والمصارف في دول أخرى، بل إنهم ينتظرون منها دورا أكبر بكثير لاعتبارات التنافسية التي ربما لا تتوافر لكثير من الشركات والمصارف في دول كثيرة حول العالم.
''إطعام'' في حاجة ماسة لأن يبقى عملاً مؤسساتياً تعتمد موارده على دخل ثابت يساعده على ترسيخ هدفه أولاً بالحفاظ على النعمة، وثانياً بانعكاس إيجابي على العمل الخيري في بلادنا، الذي يقوم، في معظمه، على اجتهادات فردية، أما في حالة ''إطعام'' فهو يقدم نموذجا مختلفا للجمعيات الخيرية، بل هو أقرب للشركة التجارية من الجمعية الخيرية.
أصعب الأعمال وأروعها تغيير الفكر، وهو ما استطاع ''إطعام'' فعله، بينما فشل كثيرون. فعلاً الأقوال تذهب والأعمال تبقى راسخة لا تُمحى. شكراً ''إطعام''.