هل تعلم من هم أقل الناس عنفا و أكثرهم مسالمة ؟
هل تعلم من هم أقل الناس عنفا و أكثرهم مسالمة ؟
لم يكن ذلك عنوان البرنامج الذي كنت أشاهده ولكنه كان برنامجا علميا يحاول البحث عن العنف وأسبابه وجذوره عند البشر ويعتمد البرنامج بشكل كبير على البحوث التي أجراها الدكتور جيمس فالون الأستاذ في جامعة كاليفورنيا والباحث المشهور في علوم الأعصاب.
و يفيد البرنامج بأن الباحثين اكتشفوا وجود مورثة معينة تدعى "مورثة المحارب" حيث أن وجود تلك المورثة في بعض الأشخاص يجعل عندهم استعدادا أكثر من غيرهم للانخراط بالعنف و من البيانات التي جمعت عن أفراد العصابات تبين أن من يحملون تلك المورثة يميلون أكثر لاستعمال الأسلحة النارية واستخدامها وهذا ما يعطي أساسا جسديا للعنف الذي يرتكبه البعض وتفسيرا مبسطا لتصرف بعض الناس.
وبناء على ما سبق فإن الأستاذ فالون اعتبر أنه في المجتمعات التي ينخفض فيها العنف فإنه يمكن تفسير ذلك بانخفاض نسبة الناس الذين يحملون هذه المورثة. ولإثبات هذه الفرضية فإن كل ما يحتاجه السيد فالون هو البحث عن مجتمع تنخفض فيه الجريمة للتحقق من صحة فرضيته.
ونتيجة بحثه فقد وجد مكانا في المغرب وتحديدا في الصحراء المغربية حيث تعيش قبيلة حياة بدوية و قد تبين أنه في تلك القبيلة لم يعثر على أحد يذكر حدوث أية جريمة قتل في تلك القبيلة حيث يبدو تاريخها خاليا حقا من جرائم القتل وحتى في حالة اختلاف الرأي فليس هناك شجار بالأيدي.
وقد تم جمع عينات من مورثات أفراد القبيلة لتحليلها لتحديد نسبة الأفراد الذين عندهم مورثة المحارب. المتوقع طبعا انعدام أو وجود نسبة ضئيلة ممن يحمل تلك المورثة ولكن المفاجأة التي حصلت أن نسبة الأفراد الذين يحملون تلك المورثة هي حوالي 30% وهي نفس النسبة في شمال أمريكا أو أوربا وطبعا.
هذه النتيجة نسفت فرضية السيد فالون فإن المورثات التي يحملها الفرد قد تسهل بعض الخيارات و لكنها لا تحددها و أن حياة الإنسان وتصرفاته هي معقدة بحيث لا يمكن تفسيرها بعامل واحد أو بشكل بسيط سطحي. وهنا تكلم الباحثون عن أهمية هذه الدراسة و غيرها لتحديد الظروف و العوامل التي يجب فهمها للذين يريدون تقليل أو التخلص من العنف في المجتمعات البشرية.
الملفت للنظر بالنسبة لي هو كون القبيلة مسلمة رغم أن البرنامج لم يقل حرفا واحدا عن ديانة القبيلة ولكنني كمسلم أستطيع أن أحدد ذلك بوضوح من لباس النساء ومؤشرات أخرى و لا أدري إذا كان المشاهد الغربي سيستنتج ذلك أم لا ! و كمشاهد مسلم لم أستطع إلا استذكار حرص وسائل الإعلام العالمية على تبيان ديانة الجاني بشكل لا لبس فيه حين يكون الجاني مسلما حتى كاد أن يصير هناك ارتباط بين الإسلام والعنف ووجدني أتساءل : هل لو كانت هذه القبيلة بوذية مثلا فهل سيلوذ الذين عملوا الدراسة بالصمت حيال هذه الحقيقة ؟