الأرضية الخصبة للنمو الاقتصادي
لم يسهم أي عنصر من العناصر في تكوين أرضية خصبة للنمو الاقتصادي بمثل ما أسهمت قوة القانون التجاري في النمو الاقتصادي المطرد والمتراكم. كثير من البلدان النامية، وخصوصا التي تعتمد على اقتصاد ريعي ناضب مثل اقتصادنا، اتجهت للتنويع الاقتصادي عبر وضع أرضية قانونية صلبة تنظم الأنشطة التجارية بجميع أنواعها ونشاطاتها، إلا أن الأمر المهم في هذا التنظيم القانوني هو أن يكون القانون منطقيا، يناسب الشرائح التجارية بمختلف أحجامها كافة، لا أن يكون القانون يصب في مصلحة الشركات الكبيرة فقط، مما يضيق الخناق على الشركات الصغيرة في القدرة على المنافسة.
ومن المهم ملاحظة أن يكون هذا القانون متلائما مع القوانين الأخرى المعمول بها، إذ إنه من غير المنطقي أن تتدخل المحاكم أو الجهات القضائية غير المتخصصة في القضايا التجارية في القضايا الاقتصادية أو التجارية، والأدهى أن تترك القضايا التجارية لاجتهاد هذه الجهات دون محددات واضحة. قضايا مثل قضايا العلامات التجارية أو حقوق الاختراع أو الحقوق الفكرية يتم تعليقها بين ردهات المحاكم غير المتخصصة، التي لا تمتلك قانونا مكتوبا يستطيع طرفا النزاع اللجوء إليه.
قد يدعي البعض أن ليس للقانون التجاري ذلك التأثير الكبير في النمو الاقتصادي، فيوجد كثير من البلدان التي تحقق معدلات نمو عالية نسبيا، ولكنها لا تمتلك تلك الأرضية القانونية الصلبة! ونقول إن معظم تلك البلدان تعتمد في نموها على تصديرها لمواد خام مهمة، ولكنها ناضبة، أي أن معدلات النمو هذه ليست عائدة لقيمة حقيقية مضافة للاقتصاد. إن الهدف المنشود لأي خطة اقتصادية لأي بلد هو زيادة القيمة المضافة للاقتصاد، أو بمعنى آخر، زيادة مساهمة كل القطاعات الاقتصادية بالنمو وليس الاعتماد على جانب واحد.
وإذا أمعنا النظر، سنجد أن قوة الاقتصاد الأمريكي مثلا تعتمد على الثقة التي يوليها العالم لأمريكا، وهذه الثقة لم تكن لتحصل لولا وجود قانون واضح وقوي، يحمي أصحاب الحقوق، وينهي النزاعات التجارية بقوة هذا القانون. نعم، قوة القانون لن تنهي الفساد، ولا بد من وجود فجوة في كل القوانين والتشريعات، إلا أن هذه الفجوة أو هذا الفساد واضح، أي أنه من السهل على المشرع أن يراه ويعالجه. ما يقض مضاجع كثير من المستثمرين الصغار والكبار. والذي قد يدفعهم للإحجام عن تأسيس مشاريعهم في أسواقهم المحلية هو ضمان حقوقهم واستثماراتهم، وهذا بالضبط ما فعلوه في دبي، وضعوا قانونا يحمي الجميع، الصغير والكبير، المستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي.