ما أكثر الأصحاب حين تعدهم ..

ما أكثر الأصحاب حين تعدهم ..

ولكنهم في النائبات قليل , بيتُ واحدُ , ولكنه عن قصيدة كاملة , ولو لم يكتب (الأمام الشافعي ) رحمه الله إلا هذا البيت من الشعر لكفاه , لأنه اختصر فيه (نتاج) علاقة اجتماعية (الصداقة) في بيت واحد من الشعر.
فالشخص منا لديه الكثير من الأصحاب , والأقارب ممن يعدهم (أصحابا), ولكن في وقت الشدائد وعندما يحتاج إليهم لا يجد منهم أحدا , ومهما حاول أن يُنشط ذاكرته لعلها تُسعفه ولو بصديق واحد ممن (يُشد بهم الظهر) فأنها لا تستجيب , وكلما أعاد الكرة وحاول , فشلت كل المحاولات , ورغم أن الذاكرة تحتفظ بالكثير من الأسماء التي كان يظن احدنا أنهم ممن قال عنهم ايضا الأمام الشافعي في واحد من أشهر أبياته , او من درره.
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
إلا أنه يحسب ألف حساب وحساب قبل أن يُبدي لهم شيئا مما في نفسه , أو يُطلعهم على ما حاق به من هموم الدنيا , خوفا من أن يخذلوه وقد كان يظن بهم خيرا , ثم يخسرهم إلى الأبد .
فقد يكون في حياة الشخص منا أناس من أقاربه أو من أصدقائه تجمعه بهم علاقات هو يظنها قوية , ومتينة , مبنية على الحب , والتقدير , والاحترام , ومن فرط اعتزازه بهم , يُقنع نفسه بأنهم هم (صفوة الصفوة) من الأصحاب وأنه بكل ثقة (شا يلهم للزمن) وليس لديه أدنى شك أنهم ممن قصدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه , وأنهم هم من تنطبق عليهم شروط الصداقة ألتي أختصرها رضي الله عنه (بإقالة العثرة , ومسامحة العشرة , والمواساة في العشرة , ولكن أولئك القوم يتساقطون من أول تجربة كما تتساقط أوراق الأشجار في فصل الخريف.
وهذا الخذلان (المُبين) من قبلهم , هو ما يعزز قناعة الإنسان بأن تلك المجاملات , و التبجيلات , والابتسامات بجميع مقاساتها , وألوانها , كانت مجرد (ضحكة سن) لا أكثر.
للأسف الشديد وأقولها بكل مرارة أن الصداقة بمفهومها الحقيقي لم يعد لها وجود , وقد حلت مكانها صداقات من نوع أخر مبنية على مصالح شخصية تقاس بمقياس الربح والخسارة , ومنافع دنيوية , ومجاملات , أساسها (المادة) , وهذا النوع من الصداقات سريع الزوال (بمجرد مسحة واحدة من فيري) لأن أساسها ضعيف جدا فهو أوهن من بيت العنكبوت , فمع أول اختلاف ينتهي كل شيء.
وقد كان أحد الشعراء متفائلا جدا في وصفه للصديق الحقيقي وبالغ كثيرا حينما قال أن الصديق الحق من كان معك //////// ومن يضر نفسه لينفعك

ومن اذا ريب الزمان صدعك ///// شتت فيه شملك ليجمعك
ولكن ذلك الوصف هو اقرب الى الخيال , والعرب تقول عند وصف شىء مستحيل انه من (رابع المستحيلات) , والخل الوفي او (الصديق المخلص) يحتل المرتبه الثالثة من المستحيلات الثلاثة وهي الغول , والعنقاء , والخل الوفي , والأخير تعتبر العرب وجوده اسطورة من الأساطير , لأنه لا يمكن ان يوجد , وقد قال احد الشعراء في ذلك.
لما رأيت بني الزمان وما بهم خلُ وفي للشدائد أصطفي
أيقنت أن المستحيل ثلاثةُ الغولُ والعنقاءُ والخل الوفي
وقد صدق في ذلك , فنحن نردد دائما مقولة (الصديق وقت الضيق) إلا أننا على أرض الواقع لا نجد ذلك الصديق الذي يكون لنا سندا في الشدائد , فعند الحاجة يفرُ الأصدقاء كما تفر القطعان من الذئاب , أما في الرخاء و(السعوا ت) أو أن كانت لهم مصلحة لدينا فأننا نجدهم حولنا وحوا لينا (بالكراتين)
ومن لطف الله تعالى بعباده (المخذولين) من قبل أصدقائهم أنه تعالى يُيسر لهم أُناسُ ليسوا بأصدقاء لهم ولكنهم (أبرك) من الأصدقاء , إنهم أولئك الذين يحبون عمل الخير ويرجون الأجر والمثوبة من الله تعالى.
عموما نحن في زمن (لم يعُد فيه أحد يدري عن أحد) فالكل مشغول بحياته الخاصة , وعمله , وأعماله , وحتى لو قضاها وانتهت فهو(مشغول فاضي) كما يقولون , حتى أصبح الأخ لا يعلمُ عن أخيه شيئا , حتى لو كانوا يسكنون في بناية واحدة , فما بالكم لو كانوا متباعدين في المسكن فكيف سيكون الحال إذا.
لقد أصبح الناسُ ويا للأسف الشديد إلا من رحم الله ووفقه إلى أن يصل رحمه , متباعدون , متفرقون , وبالكاد تجمعهم المناسبات العامة فقط.
ولكن رغم كل الذي ذكرت فأنني لا أستطيع (القطع) بعدم وجود الأصدقاء (طبعا ليسوا كما يتخيلهم صاحبنا أعلاه بكل تأكيد , ولكنهم (أصحاب) فرغم أن هناك أُناس لا خير فيهم ابدا , ولن يكون فيهم خيرا في مقبل الأيام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , أو يأخذهم ملك الموت أيهما أسبق , اولئك الذين أصبحت كلمة فلان (ما فيه خير) ماركة مسجلة لهم , إلا أن هناك بعض المستثنين لأنهم فعلا أصحاب (حقيقيون) تجدهم في الشدائد ولكنهم للأسف قلة , هؤلاء يتصفون بالوفاء ولكنهم (نادر ون) والنادر كما يقال لا حكم له .
شخصيا لا أنسى ما حييت موقف أحد الأصدقاء (النادرين) الأوفياء معي , وأيضا من المؤكد أنني لن استطيع أن أنسى أُناس كنت أظنهم (من الأخيار) ولكنهم خذلوني فوجدت ما يعزيني عنهم في قول من غلب على ظني انه ايضا الإمام الشافعي ولكني لست متأكدا من ذلك.
جزا الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي

الأكثر قراءة