حرية الرأي .. بين الحصانة الموضوعية والإلتزام بالقانون

حرية الرأي .. بين الحصانة الموضوعية والإلتزام بالقانون

حرية الرأي .. بين الحصانة الموضوعية والإلتزام بالقانون

احتدم الجدل مؤخرا بين بعض الفاعلين في الساحة الثقافية فيما يتعلق بحدود التعبير عن حرية الرأي. وفي رأيي أن الفيصل هنا هو القانون. يجب ألا يقيد حرية الرأي إلا قانون يمنع هذا التصرف أو ذاك. ومثال ذلك، على المستوى الإقليمي ما سنه مجلس الأمة الكويتي فيما يخص تجريم سب الصحابة، أو على المستوى المحلي فيما يتعلق بالقانون الذي التزمت السعودية بتطبيقه فيما يخص منع التمييز ضد المرأة. وهذا مثال جيد، لأن البعض يعتبر أن له الحق في الإفتاء ضد الإلتزام به، على اعتبار أن حق الإجتهاد والرفض مكفول لجميع المجتهدين، ولذلك فهم يرون أنهم غير ملزمين بهذا القانون.

وهم يطرحون سؤلا مهما: كيف لهم أن يعبروا عن آرائهم واعتراضهم إذا كان القانون مخالفا لما يرون؟ وهذا سؤال مشروع.

والإجابة هي كالتالي: حرية الرأي يقيدها القانون. بمعنى أنه اذا كان التمييز ممنوعا، فلا يحق لأحد التعبير عن رأيه بما يمكن اعتباره تمييزا. لكن التعبير عن الرفض بما لا يخل بالقانون، يعد مقبولا. مثال ذلك، أن يقول أحدهم أن الإلتزام باتفاقية السيد او لا يتفق مع منهجنا. لكن لا يحق له ان يدعو إلى فصل جميع النساء العاملات في القطاع الصحي، مثلا، على اعتبار أنه لا مكان لهن سوى المنزل، ولا وظيفة لهن سوى التكاثر. هنا لا يصبح الحديث عن حرية رأي، بل مخالفة صريحة للقانون.

الإستثناء الوحيد هو لممثل الأمة في مجلس الأمة، بالعودة لمثال الكويت، على اعتبار التالي: تداول الأمر يكون لعضو مجلس الأمة، والذي من المفترض ان يتمتع بحصانة موضوعية (التعبير عن كافة آرائه حتى لو خالف القانون في ذلك) وذلك لأنه مناط بهذا العضو اقتراح وتعديل وإقرار وإلغاء القوانين، من جهة، ومن أخرى لأن من تتضرر مصالحهم بآداء ممثل الأمة لدوره، قد يسعون لتكميم فمه، ومن ذلك الملاحقات القانونية. أما المواطنون فلا حصانة موضوعية لهم، ولا يقبل منهم مخالفة القانون، حتى ولو كان القانون خاطئا. ان الوسيلة الوحيدة لتغيير القانون هي القانون نفسه.

ولا استطيع أن أتفهم من يخالف القانون على اعتبار انه مخالف للشرع، لأنه، باستخدام نفس المنطق الذي ينطلق منه، لا تجوز مخالفة القانون طالما ان الرأي القائل بمخالفته للشرع مبني على الإجتهاد والبحث. وذلك لأن الإجتهاد القاضي بالرفض، قد يقابله اجتهاد يقضي بالقبول، ولا يحق لأي من الإجتهادين إلغاء الآخر، على اعتبارات مثل الكثرة والقلة. غير أن الإجتهاد المعتمد هو ما كان القانون في صفه. ويحق للقانون تقييد حرية الرأي الرافض. إلا أن ممثل الأمة هو من يحق له استعراض الآراء وطرحها للنقاش بغض النظر عن مخالفتها للقانون.

الفائدة تعود على الجميع، حيث أن في تحصين القانون والآخرين منهم، فيه ايضا تحصين لهم وللقوانين التي يؤيدونها مستقبلا. هذه هي الفائدة الأولى. وكما قال أحد القدماء، فيما معناه: لا تفرضوا دية كبيرة علينا اليوم، فنأخذها حجة عليكم غدا. فمالكم علينا اليوم قد يكون لنا عليكم غدا. أما الفائدة الثانية فهي أن تأطير الحياة العامة بالقانون، ومن ثم حماية هذا القانون، يجعل العمل العمومي في إطار مؤسساتي، يتمتع بالشفافية، ويمكن التنبؤ بمخرجاته، والتخطيط له، ومن ثم ضمان أحسن الظروف التي يستطيع الجميع فيها التعبير عن رأيه وضمان حقه في المشاركة والذي سيحمي في المحصلة مصالحة. أما تمييع القانون هو بشكل مباشر، وغير مباشر، تغليب لمبدأ القوة، لا التوافق، في التعامل مع القضايا العامة. وقولي هذا يعتمد على كون غياب قنوات العمل العمومي، وعدم قدرة الفرد على التنبؤ بها أو التعامل معها، تدفع الفاعلين على الإعتماد على أنفسهم، لا القانون في حماية مصالحهم.

فلو أدرك من يخالف القانون، بحجة التعبير عن الرأي، أنه يضعف نفسه وفرص وصول رأيه، على المستويين المتوسط والبعيد، لتمترس دون القانون ذائدا عنه بالغالي والنفيس، حتى ولو كان مخالفا له.

الأكثر قراءة