خيبر .. أرض تعطرت بأنفاس النبوة واغتسلت بدماء الشهداء
تحتل خيبر موقعا متميزا، حيث تمثل حلقة الاتصال بين منطقة المدينة المنورة وكل من منطقتي حائل وتبوك من جهة، إضافة إلى كونها حلقة الاتصال بين المدينة المنورة ومحافظة العلا من جهة أخرى، وهي منطقة تتجمع فيها الأودية المنحدرة من الحرار، وتحدها من الجنوب المدينة المنورة ومراكزها، في حين تحدها من الشمال والشرق منطقتا تبوك وحائل على التوالي، ومن الغرب محافظة العلا ومن الجنوب الشرقي محافظة الحناكية، وقد عرفت خيبر بكثرة حصونها التي يرجع تاريخها إلى فترة ما قبل الإسلام كما اشتهرت بكثرة عيونها وسدودها.
تشعر وأنت تتجول بين آثار خيبر ومآثرها بأنك تمشي على (بصمات) التاريخ، فجبالها اكتحلت برؤية الحبيب صلى الله عليه وسلم، وأرضها تعطرت بأنفاس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتزجت تربتها بدم الشهداء من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
وعن تاريخ خيبر يحدثنا المؤرخ الدكتور تنيضب الفايدي فيقول: أول ما نزل الرسول- صلى الله عليه وسلم- جنوب خيبر (القديمة) بجوار جبال الصهباء (الصهباء سلسلة جبلية تطل على خيبر من الجنوب الغربي وانتقلت إليها حاليا خيبر الجديدة)، حيث صلى رسول الله- صلى الله عليه سلم- فبني له في مصلاه مسجد لاحقا يسمى مسجد الصهباء، حيث قال الإمام السمهودي في تاريخه وفاء لوفاء من مساجد الرسول- صلى الله عليه وسلم- في خيبر مسجد بالصهباء، وهي على روحه (وقاسها الكاتب: ثلاثة أكيال تقريبا) من خيبر (القديمة) روى مالك عن سويد بن النعمان- رضي الله عنه- أنه خرج مع النبي- صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء، وهي من أدنى خيبر، نزل فصلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأكل وأكلنا، ثم قال إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ. (رواه البخاري) وقد اندثرت آثار المسجد قريبا، ثم غادر الرسول- صلى الله عليه وسلم- هذا الموقع إلى واد شمال خيبر، واتخذه مقرا يقال له وادي الرجيع، فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد عانى الإسلام في بدايته من قبيلة غطفان وما جاورها، حيث تؤلب القبائل واليهود دائما ضد الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقد شاركوا الأحزاب في غزوة الخندق بالمدينة المنورة ضد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكذا غزوة ذات الرقاع وغزوة ذي أمر وغزوة الغابة وغزوة خيبر، كلها ضد غطفان، إضافة إلى مجموعة من السرايا، وفي غزوة خيبر كانوا مظاهرين على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وحال صلى الله عليه وسلم بين أهل خيبر وغطفان، وذلك باتخاذه صلى الله عليه وسلم وادي الرجيع مقرا أثناء الغزوة، ومع يهود خيبر قبيلة فزارة، حيث كانت ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم، فراسلهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألا يعينوهم، وسألهم أن يخرجوا عليهم، ولكم من خيبر كذا وكذا فأبوا، لذا كانت هذه القبيلة (غطفان) وفزارة مناوئة للرسول- صلى الله عليه وسلم- ومظاهرة له قبل نتائج غزوة خيبر.
وأضاف الدكتور تنيضب الفايدي بقوله: خيبر، من معانيها (الحصن) بل هي مجموعة حصون منها: حصن الناعم، وحصن الصعب، وحصن الكتيبة، وحصن أبي، وحصن النزار، وحصن القموص، وحصن الوطيح، وحصن السلالم.
وأشار إلى أن الحصون شواهد تاريخية ما زالت صامدة أكثر من 1400 عام. وشهدت خلال العام السابع للهجرة (شهر محرم) غزوة خيبر التي كان القائد فيها هو سيد الأولين والآخرين، سيد ولد آدم، منقذ البشرية الرسول القائد محمد صلى الله عليه وسلم، وتكون جيش المسلمين من 1600 فرد من الصحابة الأطهار منهم 200 فارس، أما جيش (يهود) فتكون من مجموعة من (يهود) بقيادة سلام بن مشكم، قد تجمعوا داخل الحصون، علما بأن هذه الحصون لا تقدر عليها الرجال لارتفاعها كما هو مشاهد لوجودها على جبال تشبه الصخور العظيمة، كما أن الخيل لا تستطيع الصعود إليها.