الديربي النفسي

.. في الطائرة المتجهة من الرياض إلى القاهرة، كان نجم الكرة المصرية أشرف قاسم يجلس إلى جواره في رحلته الأخيرة من العاصمة السعودية إلى دياره بعد أن أنهى عاما يدافع عن ألوان أزرق الرياض. بحسه الصحافي الذي لا يغيب أراد استغلال الموقف، فقال للنجم المصري الكبير: كنتم أفضل من النصر دائما هذا الموسم لكنكم تخسرون، لماذا؟
التفت الشاب المصري ذو الملامح الآسيوية ونظر بعمق في وجه محدثه، وقال: لا أعرف، فعلا نحن الأفضل فرديا وفنيا، لكنهم ينتصرون دائما. هناك شيء ما لا أعرفه بين هذين الفريقين، لم أشهده بين آخرين حتى الأهلي والزمالك الديربي العربي الأشهر والأقوى. رد محاوره: ماذا تقصد؟ بنظرات تبحث عن شيء مفقود، أجاب النجم الماهر: أعتقد أن في نفوس زملائي شيئا مثل الرهاب النفسي، العقدة، الحاجز، شيئا ما لا أعرف تسميته بدقة. عندما تقترب هذه المباراة، يصاب بعض لاعبينا بحالة من الرتابة والكسل والخوف كأننا نترقب مصيرا أسود، ثم يضحك ويكمل: ليلة المباراة أكثر شيء يفعله بعض اللاعبين هو الذهاب للحمام بشكل مفرط، ولك أن تقيس الجو العام بتخيل المشهد.
.. تركي العواد اللاعب السابق والأكاديمي الحالي، واحد ممن شهدوا أغلب نزالات الغريمين، وأحد رجال ملحمة القطبين التي لا تنسى حين تعادلا بأربعة لمثلها في الرياض، قلت له: أتصدق؟ ماتورانا يحدثني عن فريقه النصر قبل مواجهة الهلال فيقول: قبل المباراة لا أرى اللاعبين يتمازحون في المران كما كانوا من قبل، صامتون كأنهم في عزاء، صفوفهم في الصلاة تمتد إلى أربعة وخمسة وهي في الأيام العادية لا تتجاوز الصفين. ونحن في "البص" في طريقنا إلى الملعب لا تسمع صوتا، بل شفاهٌ تتمتم. ضحك العواد ثم قال: أتعرف نحن كنا كذلك من قبل، وتابع يفصّل: في فترة مضت كانت العقدة تصيب الهلال أكثر من النصر في مباريات الديربي بحكم تفوق الأخير في هذه المواجهات. قبل المباراة نعرف أننا أفضل منهم فنيا، لكنهم أمامنا يتحولون إلى فريق صلب لا يكسر، حتى جاء جيل الهلال في الألفية الأخيرة فقلب الطاولة وأصبحت الحالة النفسية تصيب النصراويين أكثر، فيخسرون بسهولة وبأنفسهم أحايين كثيرة رغم أنهم فنيا يستطيعون المقاومة على الأقل.
يواصل العواد حديثه الماتع: "الجوانب النفسية في كرة القدم تظهر أكثر في لقاءات الديربي وفي النهائيات، وقِلةٌ من الإداريين والفنيين يجيدون تحضير فرقهم نفسيا في مثل هذه المواقف، وشحنهم إيجابيا قبل دخول الملعب. هذا أسلوب علمي يحتاج إلى عمل دقيق".
كثيرون خرجوا من المعسكرين الأصفر والأزرق، يحتفظون بقصص كثيرة مشابهة لما رواه قاسم، ماتورانا، والعواد، تدلل على أن المنتصر غالبا في مواجهات الغريمين التاريخيين في الكرة السعودية، يحتاج إلى تهيئة نفسية جيدة توازي الاستعداد البدني والفني، وكثيرون يعرفون أن هذه المهام كان يقوم بها في الطرفين سابقا المرحومان عبد الرحمن بن سعود، وعبد الله بن سعد، ولاعبون مميزون يمتازون بروح التحدي وجودهم يمنح زملاءهم راحة نفسية مثل الهريفي والثنيان، لكن من سيقوم بهذا الدور غدا والكفتان تبدوان متعادلتين فنيا. في النصر أرشح كارينيو وعبد ربه، وفي الهلال أرى عبد الرحمن بن مساعد وياسر الأقرب متى ما كان ياسر الذي لا يندب حظه مع ضياع الفرص، بل يعوضها بالتالية مباشرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي