مذكرات مبتعث 42 .. السعودي بين عقدتي "مصطفى" و "الخواجة"
مذكرات مبتعث 42 .. السعودي بين عقدتي "مصطفى" و "الخواجة"
كنت أعتزم كتابة هذا المقال قبل انتشار ظاهرة التنكيت على "مصطفى" ، لكنه تأخر كغيره من المشاريع التنموية ، و لمن لا يعرف مصطفى أقول: هو "شخصية رمزية لطالب مصري مثالي حريص على مذاكرته ، و دراسته ومنظبط في شخصيته ، و كل تصرفاته بخلاف زملاء فصله ، الذين يخالفونه و يتضايقون من تلك المثالية" ، و بكل أسف أصبح مصدرا للنكت ، و التندر لا لعيب فيه بل لعيب في كل من تنقصه تلك الصفات.
حقيقة فان الامر ليس جديدا رغم ان مصطلح مصطفى يعد حديثا ، لكن في جيلي و من قبلهم كان مصطفى يتواجد في شخصية زملاءنا –ابناء المدرسين غالبا- من عدة دول عربية ، أهما مصر ثم سوريا و فلسطين و الاردن ، ممن كانوا يعيشون في المملكة لكن المصريين كانوا اكثرهم عددا و اكثرهم مثالية ، وكنا نحن الطلاب السعوديين نخشى ان نوصف في المدرسة بلقب "الطالب المصري" ، و مرة اخرى اصف لكم تركيبة ذلك الطالب حتى لا يساء الظن بأحبتنا العرب عموما و المصريين خاصة أقول: في الوقت الذي كنا نذهب الى المدرسة شعثا غبرا لوحدنا و سيرا على الاقدام غالبا كان الطالب المصري يحضر الى المدرسة برفقة أبيه ، و ربما في السيارة و ثوبه نظيف جدا -لانه غالبا يخصص ثوبا للمدرسة- ، و شعره مرجل و ربما مدهون بزيت ، و كتبه في شنطة بينما نحن نتعايب أن تكون كتبنا في شنطة لأن ذلك مدعاة للتندر فنقوم بلفها بطريقة بدائية في سجادة الصلاة ، و ربطها بمغاط و الاقلام في جيوبنا متناثرة ان لم ننسها في البيت ، و لا أدري ان كانت هذه الظاهرة مازالت موجودة أم ذهبت بعد تغيير الوزارة لشعارها!
الطالب المصري كان يتناول فطوره مبكرا في البيت ، و يحضر معه للمدرسة سندوتشا و عصيرا ، و نوعا من الفاكهة أو الخضار كوجبة صحية ، بينما كنا نفطر في الفسحة الساعة العاشرة باحد طريقتين: اما بيبسي و طعمية ، او تميس و فول و معلبات و شاهي و كل ذلك ربما احضر تهريبا ، لكنه يدل على رغبتنا في التمرد على مثالية الطالب و نخشى ان نكون مثل الطالب المصري!!!
الان كبرنا و اصبح ابناونا يطبقون مثاليات ذلك الطالب المصري ، لكنهم تعرفوا على ظاهرة مصطفى و هم يتمردون على المثالية بكثرة السهر و كره النوم مبكرا ، و ربما انتقل الامر الى كره المدرسة و التعليم و هنا خطورة الاستهزاء بشخصية مثالية دون التوقف و التأمل لبرهة في عواقب ذلك!
ما دعاني للكتابة عن ذلك و في مذكرات مبتعث ان تلك الظاهرة الازدرائية من الانظباط و المثالية مازالت تطارد الطالب السعودي في حله و ترحاله ، و لأنني ادرس في بريطانيا في البلد الاكثر انظباطا في العالم ، بلد "الطابور" حيث يصطف الناس في طابور طويل ممل لأخذ كوب من الشاي ، او للذهاب الى دورة المياه –اجلكم الله- بكل هدوء و انظباط و من يتجاوز ذلك يكون عرضة للاستهجان و الغضب الانجليزي من الجميع مهما يكن من شخصية و يوصف ذلك الفعل بالعيب!!
لكن اهم قضية يتصف بها الخواجة هي حفاظه على الوعد و التزامه بالوقت ، حتى أصبحنا نقول مواعيد سعوديين ام مواعيد خواجات –بكل أسف أقول-!
و من خلال تعاملي مع المبتعثين في بريطانيا كلها ، و ليس في مدينتي فقط في أنشطة كثيرة جدا خلال عملي كرئيس للنادي كانت اكبر مشكلتين تواجهنا في الانشطة هي:
1-"الالتزام بالوقت المحدد" للقاء او الاجتماع حتى اصبح الموعد الحقيقي هو ساعة بعد الموعد المحدد و المعلن ، و عانينا من ذلك في لقاءات رسمية حتى بحضور شخصيات كبيرة كانت هي مثال الالتزام بالوقت ، بينما المنظمون يتفننون بأنواع التأخير غير المبرر!
2-"التواصل خاصة بالايميل" فلا تجد من يرد على الايميل حتى تظطر لارسال رسالة جوال أو الاتصال هاتفيا ، و طبعا ان كان الايميل يحمل بشارة فلا تتوقع أن يصلك رد بكلمة شكرا تجبر الخاطر ، او على الاقل تفيد انه علم بالخبر و حين تقابله يقول "ياخي نسيت أو مشغول" و كأنه الطالب الوحيد في بريطانيا!
الحقيقة أن هذا مؤلم جدا لأننا مسلمين و قيمنا أعمق و اعظم من كل قيمة يحملها الاخرون ، و من اي جنسية كانوا ، و انظر كيف وصف القران سيدنا اسماعيل عليه السلام : " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا " و في تاويل ذلك يقول ابن جرير : أن إسماعيل النبي ، عليه السلام ، وعد رجلا مكانا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من هاهنا ؟ قال : لا . قال : إني نسيت . قال : لم أكن لأبرح حتى تأتيني!!
فهل يوجد في التاريخ قصة وفاء بالوعد مثل هذا؟
ان الوفاء بالوعد و المحافظة على القيم ظاهرة و باطنه لمدعاة الى الفخر و الاعتزاز، و حري بنا تربية انفسنا و أولادنا على ذلك و ان نتوقف تماما عن حالة السخرية المقيتة ممن يلتزم بتلك القيم لان ذلك مدعاة لهدمها في أنفسنا و أولادنا مهما نظرنا لهم!