ذكريات جميله لماض عريق
ذكريات جميله لماض عريق
في كل لحظة يطل من شاشة التلفاز خبر جديد عما يحدث في سوريا, تتلاشى صور الشاشة من بشاعتها لتتوسط مخيلتي مشاهد اجمل لنفس المكان.
ذكريات جميله تطغى على مشاهد الدم و الدمار مع رائحة عبقة لتحول المشهد الى لحظة قدسية.
مشاهد الدمار في جامع حلب الكبير وسوق المدينة, اخذتني الى احدى جولات التسوق في الاسواق الاثرية المحيطة بذلك الجامع مع صديقات تقاسمت معهن اجمل لحظات ايامي الجامعية. لتكون نهاية الجولة دائما زيارة لذلك المعلم التاريخي و الديني.
التنقل بين المحال التجارية التي تعود الى مئات السنين يعطيني روعة الاحساس بأن لي ماض عريق بأني راسخة الجذور في هذه الارض. أن أجدادي قد بنوا و شيدوا ما يتباهى به أمهر مهندسي هذه الأيام و يتخذوه مدرسة للتعلم منه.
مكان له هيبته, تحت قدمي ممشى موغل في القدم انها ليست جولة تسوق اعتيادية, انها تصفح لتاريخنا العريق, انها متحف ناطق عما توالى عليه من احداث تاريخية .
كانت الصلاة في ذلك الجامع لها رونقها الأخاذ الذي يمضي بنا الى مئات السنين و كأننا نجالس أحد الأمويين الكبار و نشاركه فخره بما حققه. مشهد متكامل لحياة مفعمة بكل مكوناتها الروحية و الدنيوية.
و يكون للجولة رونق ملكي أخاذ اذا قادتنا أقدامنا في النهاية الى قلعة حلب..
الى بلاط سيف الدولة الحمداني و كأننا في حضرة أحد مجالسه محاطين برجالات العلم والادب و الفلسفة أيام العصر الذهبي لأجدادنا, و انا اقف هناك احس بابي الطيب المتنبي وهو ينظم ويلقي احد قصائده, له كل الحق فهذا الموقف في هذا المكان, يحملك مشاعر أكبر من ان تختزنها روحك داخليا, لا بد من أن ترى الشمس كلمات محكية و قصائد متداولة من عصر الى عصر لتروي أمجاد هذه القلعة وما شهدته من بطولات و انتصارات.
هاهم يحاولون مسح تاريخنا الجميل المشرف. بطمر تلك الطريق التي تقودنا الى جذورنا. وكأنهم يريدون ان يعموا عيوننا عن حقيقة من نحن و من اين أتينا لنضيع في متاهات اللا وجود و لا انتماء.
يريدون للعالم ان ينسى كم من آلاف السنين هو جميل حضاري وراق هذا البلد و شعبه بكل فنونه وعلومه و ادابه بكل مكنوناته الروحية و الدنيوية.
لازالت أصوات مآذن جوامع حلب تصدح لتنظم أجمل لحن كوني يمكن ان يتسلل الى روحك و انت على قمة قلعتها الصامدة منذ قرون عديدة... و دائما تعدنا أنها ستبقى.