حبيبي لا تشيل هم .. الله موجود
* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 466
***
* حافز الجمعة: أكثر مؤسسةٍ عبقرية هي الأسرة. من تمسك بأهدابها تماسك تقدما وتوازن سلوكا وأخلاقا .. بدون هذه المؤسسة، مهما تقدم الإنسانُ سيكتشف أن كلَّ ما بناه، حفر بجانبه هاوية!
***
* مؤلف وكتاب: العالمُ المصري "جمال حمدان" من أكثر علماء العرب تغييرا في علم درجَتْ المدارسُ العربية أن تقدمه بشكل تقليدي مسطّح، ألا وهو علم الجغرافيا. جمال حمدان هو أول من أدخل الفلسفة والتاريخ والأنثربولوجيا في دراسة المكان الجغرافي، أو ما أسماه عبقرية المكان .. لا أدّعي أن "عبقرية المكان" من اختراعه، فقد استخدمها الجغرافيون الأمريكان، إلا أن أحدا لم يطبعها بالفلسفة التحليلية إلا هو. هذا العالِمُ العبقري كان غامضا غير معتدٍّ بإبراز نفسه، بل يخفي نفسه إخفاء يكاد أن يكون مرَضيا، وتطلع كتبه وتدوخ أساطين الجغرافيا والإيكولوجيا - البيئة والإنسان - والإنثربولوجيا - الإنسان والحضارة والتاريخ والحاضر والمستقبل - تسطع كتبه لتخطف بنورها شخصيةَ كاتبها. وفي السنوات الأخيرة لم يُعْهَد أنه خرج من شقته بالقاهرة، معلنا حبسا اختياريا. واهتمامي به بعيدٌ جدا، منذ وقع بيدي له كتاب بالإنجليزية عن تشريحٍ للدلتا المصرية، وأذكر أن بروفيسورا إنجليزيا قدم للكتاب الرسالة، وقال: "ربما أن ما بين يديك أكثر الدراسات عبقرية للدلتا على الإطلاق".. وثبتت الجملة برأسي. وكتابه الذي أقرأه إلى اليوم وتشتد دهشتي كل مرة هو "شخصية مصر - عبقرية المكان". من يهتم بالجغرافيا سيعرف أن "لا بلاش" الفرنسي ذكر "شخصية فرنسا الجغرافية" فلأول مرة يكون للمكان شخصية. وتبعه بتحديدٍ أدق الجغرافي البريطاني الشهير "فوكس" بمؤلفه: "شخصية بريطانيا The Personality of Britain " و"ماكندر" بكتابه "بريطانيا والبحار البريطانية"، ومفكرون مصريون كبار تعرضوا بغير تحديد لشخصية مصر مثل "حسين مؤنس" في "مصر ورسالتها"، و"تكوين مصر" لشفيق غربال، و"أصول المسألة المصرية" لصبحي وحيدة و"سندباد مصري" لحسين فوزي.. إلا أن حمدان فاق الجميع في الجدلية الرياضية والتاريخية والأنثربولوجية وروح وطنية لا تخفى. يقال إنه انتحر بحرق نفسه، وقيل إن الحريق كان بسبب خطأ. يجب أن تعرف الأجيال الجديدة أكثر عن "جمال حمدان" وسأفعل.. حتى يعرف كل شاب وشابة أن للمكان عبقرية .. إمّا أن يُرى ويستغَل إيجابيا، وإما يُهدَر باستغلاله سالبا!
***
* تحية للدكتور الربيعة وزير الصحة: التعاملُ قد يكون عبقريا بدون جهد، وتكسب كثيرين كخطوة أولى، وعندما ترتاح النفوس تبدأ تسمع برحابة، ثم تحكم. وقد يكون التعامل فيه كل شيء إلا العبقرية، فلا تنفتح القلوبُ .. ويحكمون عليه قبل أن يقول. لما كنت في الشورى استضاف المجلسُ الدكتورَ "عبد الله الربيعة" لنقاش حول أداء الوزارة مع أعضاء المجلس .. ووجهتُ له وقتها سؤالا قلت فيه ما ملخصه "هل من "الصحّة" أن يكون الطبيبَ الكاملَ التأهيل، إداريا كامل المسؤولية؟" والسؤالُ كما ترون ليس سهلا، وظننت أنه غير مستساغ أن تسأل طبيبا قائما على وزارة هذا السؤال، ولما وعد بالرد حسبت أنه من باب التأدب في رفض الإجابة. ولكن الدكتور الربيعة فاجأني برسالة مستعجلة - بعد خروجي من مجلس الشورى - بردٍّ مسهب وفي غاية التهذيب. لم استأذنه لنشر جوابه، إلا أني أؤكد أن به عبقرية الدماثة، والصدق في الوعد، وسعة الصدر في الإجابة، واستحضار دلائل واقعية على إجابته. لم أتعامل مع الدكتور الربيعة شخصيا، وكنت قبل الوزارة معجبا به، بل وناديت في يوم كنا نقول للعالم عن سمعتنا الوطنية، مطالباً: "ضعوا صورة الربيعة في كل جريدة عالمية.. وسيكفينا". يثبت الربيعة أن للتواصل عبقرية، ويجب أن تُستخدم .. وآمل أن تمتد هذه العبقرية في إدارة وزارته الضخمة الحجم والمسؤولية.
***
* تتابع موتُ أصدقاء لي من أقرب الناس إلى قلبي بالمرض، وتركوني أعاني وحدة موجعة بعد أن كانوا لي الرفقة العمرية والسند والعون .. فالحياة جميلة لما تعرف أنك لست وحدك، وأنك لما تقع، فإن هناك شبكة عبقرية ستلتقطك وتحميك من الارتطام بالأرض. لما يغادرون تترنح وتفجع، ولكن عبقرية قدسية تعطيك الأمان للتوازن، وتسألك: هل تفرحهم وأنت حزين؟ أم تفرحهم لما تتماسك وتمضي بطريقك لأن هذا ما كانوا يحبونه لك؟ وإنك تحتاج لذلك إيمانا عظيما وعونا إلهيا. كان صديقي "حسن بن طاهر البدر" لا يعرف إلا العطاء، لا يعرف إلا أن يكون شبكة نجاة لمن أحب .. لم يطلب يوما شيئا بالمقابل، ولا أن نكون شبكة له .. عندما حزنتُ، رأيتُ وجهه الباسم الجميل وبسمته الخلابة يردد جملته اللازمة الأسطورية: "حبيبي لا تشيل هم .. الله موجود".