مبادرة الملك عبد الله والخطوة التالية

رحب القادة ورؤساء الوفود العربية المشاركون في أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي احتضنت فعالياتها العاصمة السعودية الرياض خلال الفترة 21-22 كانون الثاني (يناير) 2013، بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الداعية لزيادة رؤوس أموال الصناديق التنموية المتخصصة والمؤسسات العربية المشتركة بنسبة لا تقل عن 50 في المائة من حجم رأسمالها الحالي.
دون أدنى شك أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المذكورة، ستعمل على إنعاش الصناديق العربية والمؤسسات المالية المشتركة للدول العربية، وبالذات حين النظر إلى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المضطربة، التي شهدتها ولا تزال تعانيها بعض الدول العربية، التي تأثرت بإرهاصات وتداعيات ما سمى بالربيع العربي، والذي خلف وراءه أوضاعا اقتصادية واجتماعية مأساوية في تلك الدول، وفاقم من حدة المشاكل الاقتصادية، التي كانت في الأساس تعانيها تلك الدول، والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والشابات، وانتشار الفقر والجوع، إضافة إلى انتشار الأمراض المعدية وغير المعدية المزمنة.
إن زيادة رؤوس أموال الصناديق والمؤسسات العربية المشتركة بنسبة لا تقل عن 50 في المائة من حجم رأسمالها الحالي، سيمكن تلك المؤسسات من الإسهام بفاعلية قصوى في إعادة ترميم البيت الاقتصادي العربي من الداخل، ليشتد عوده ويقوى بعد أن صابه الكثير من الهوان والتراجع، ليتمكن بذلك من مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدق بالعالم العربي، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب العربي إلى معدلات غير مسبوقة في حدود 16 في المائة، والتي تجاوزت ثلاثة أضعاف معدلات البطالة المسموح بها اقتصادياً وفق المعدل المعلن عن منظمة العمل الدولية ILO والذي هو في حدود 5.4 في المائة. ومن بين المشكلات والتحديات الاقتصادية والعربية أيضاً، التي ستتمكن الصناديق والشركات العربية المشتركة من التعامل معها في حال ضخ الزيادة النقدية المذكورة في رؤوس أموالها، توفير الأموال اللازمة لدعم المشاريع التنموية في البلدان العربية التي هي في حاجة ماسة لذلك الدعم، وبالذات البلدان التي تعرضت للربيع العربي، وتأثرت بنيتها التحتية والفوقية وتراجع أداء اقتصادها ووتيرة تنفيذ مشاريعها التنموية.
إن تفعيل مبادرة الملك عبد الله المالية سينعكس بالخير الوفير وشمولية الفائدة على الاقتصاد والتنمية العربية، ولكن لربما يتطلب الأمر لتفعيلها إعادة النظر في السياسات والإجراءات المتبعة في الصناديق التنموية والشركات العربية المشتركة، بحيث تكون أكثر تفاعلاً وسرعة ومرونة في الاستجابة لاحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية، ولاسيما أن إجمالي ما تم تقديمه من تمويلات وتسهيلات منذ إنشاء الصناديق المشتركة قد بلغ نحو 90 مليار دولار، والذي قد يراه البعض لا يرتقي إلى الطموحات والتطلعات، وبالذات في ظل الاحتياجات التنموية المتواترة والمتصاعدة للعديد من الدول العربية، وأن حجم التجارة البينية العربية بين الدول العربية والتي توفر لها تلك الصناديق ضمانات للاستثمارات والصادرات لا يزال محدوداً للغاية، إذ لا تتجاوز نسبتها 10 في المائة من حجم التجارة العربية مع الخارج.
من هذا المنطلق وبغرض تعزيز مساهمة الصناديق والمؤسسات العربية المشتركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية، لا بد من الرفع من قدراتها الإدارية والتنظيمية والتنفيذية، بحيث تتكمن من القيام بالمهام التنموية العربية المناطة بها على الوجه المأمول والمنشود، ولعلي أستشهد في هذا السياق بمبادرة أمير دولة الكويت التي أطلقت في القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية، التي انعقدت في دولة الكويت في عام 2009 وتمثلت في إنشاء صندوق عربي تنموي لتوفير الدعم المالي اللازم للمنشآت العربية الصغيرة والمتوسطة برأسمال قدره ملياران، ولكن حتى يومنا هذا لم يكتمل رأسمال الصندوق، وأن حجم المبالغ المتعمدة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والذي هو في حدود 254 مليون ريال لا يرتقي بأي حال من الأحوال للتطلعات والطموحات.
إن نجاح عمل صناديق التنمية والمؤسسات العربية المشتركة، يتطلب تهيئة البيئة التنظيمية والتشريعية والقانونية الاستثمارية في الدول العربية المناسبة، التي تعمل على تشجيع تلك الصناديق والمؤسسات للتوسع في عمليات إقراض مشاريع التنمية الاقتصادية في الدول العربية والزيادة من أنشطة أعمالها، مما قد يتطلب إدخال تحسينات جوهرية على بيئة الاستثمار في الدول العربية، بحيث تكون أكثر مواءمة لتدفق أموال تلك الصناديق والمؤسسات المالية من جهة، وتشجع القطاع الخاص العربي على الاستثمار بالمشاريع وتحريك رؤوس الأموال من جهة أخرى.
خلاصة القول، إن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الداعية لزيادة رؤوس أموال الصناديق التنموية المتخصصة والمؤسسات العربية المشتركة بنسبة لا تقل عن 50 في المائة من حجم رأسمالها الحالي، تعتبر بكل المقاييس والمعايير، مبادرة تنموية عربية في الاتجاه الصحيح، ولكن تفعيلها يتطلب وضع خطة عمل ومقاييس لأداء تنفيذ المشاريع التنموية المختلفة في البلاد العربية، والتطوير أيضاً من آليات عمل تلك الصناديق المؤسسات، بحيث يكن لها القيام بالدور التنموي المناط بها على الوجه المطلوب، ولاسيما أن الزيادة المتوقعة في حجم رؤوس أموال تلك الصناديق والشركات يتوقع لها أن تبلغ عشرة مليارات دولار، والتي هي كافية للدفع بمسيرة التنمية العربية الاقتصادية والاجتماعية قدما إلى الأمام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي