فصل التوائم
فصل التوائم
لكل علم مباديء وقواعد راسخة. والجراحة من علوم الطب القديمة لها قواعد ومباديء تتصل بطبيعة الخلقة واسرارها ولا تتأثر بانسان أو مكان او زمان. الجراحة تعالج الخلل بالقطع والتوصيل لأنسجة الجسد، هي وسيلة ومرحلة مؤقتة ينتظر منها بلوغ نتيجة مفيدة، ليست نحتا في الجماد تكون عملية النحت هي النتيجة ولا شيء بعدها.
الجراحة مهما هانت أو صعبت فان هم الجراح، وأكثر منه هم ذوي المريض، هو المرحلة الأهم، ما ستؤول إليه حالة المريض وحياته بعد العملية وإصلاح الخلل، فالمرجو هو النتيجة في صلاح حياة المريض في المستقبل واستفادته من قرار وتنفيذ العملية. ازالة مرارة من بطن انسان لا تنتهي شكواه بعدها لا يعني نجاح عمليته الأولى.
استئصال ورم من المخ يترك صاحبه راقدا اشهرا وسنينا يلغي الاعجاب بالجراحة مهما صعبت وقد يعني خطأ قرار إجرائها وتفاصيلها. نفهم من ذلك كله ان العبرة والأهمية ليست في ضخامة وزمن الجراحة ولا بالعدد والعدة، وليست في النتيجة السريعة يوم انتهاء العملية، انما العبرة في النتيجة المتأخرة بعد مرحلة المستشفى، في تحسن حياة المريض وأحواله عما كانت عليه قبل الجراحة. عليه فان الاحتفاء بأية عملية بذاتها وحجمها وبوقت حصولها ليس من الطب والجراحة في شيء.
رُب عملية هينة قصيرة تعيد الإبصار الى فاقده تكون أجدر بالاحتفال من عملية معقدة طويلة كبيرة مزدحمة لا تُعرف نتيجتها في الأشهر والسنين اللاحقة. العبرة ليست في اجراء عملية بذاتها دون غيرها ولا باسمها وحجمها، وانما فيما بعدها أسابيعا وأحيانا سنينا، والا زعزعنا قواعد ومباديء الطب والجراحة في مفاهيم وقلوب الناس، وأنقصنا من قيمة هذا العلم والفن العظيم وفوق ذلك أسأنا إلى جراحات أخرى باغفال شأنها مع كون الحاجة لها يومية.
بعد المسلمات قد يقفز سؤال مألوف مثله: أهذا تقليل من شأن عملية جراحية مهمة كهذه؟ لا بل هو العدل في الاعلان عن الجدوى والنتائج المتأخرة لها كأي جراحة أخرى لأن النتيجة طويلة المدى هي المعيار الحقيقي، وقد لا تأتي أحيانا بالمقبول مهما كلفت الجراحة ولمعت وتضخمت وتحدث عنها الناس.