التنويع بالاستحواذ

يقول شاعرنا العربي: "إذا هبت رياحك فاغتنمها" وهو ما يعني استغلال الظروف المواتية.. وإذا كان هذا القول جائزاً على المستوى الشخصي، فهو جائز بدرجة أجدى على المستوى الوطني .. فالظرف الاقتصادي الذي تعيشه المملكة أكثر من مواتٍ، فمنذ نحو عشر سنوا ت تقريباً كان فيها مستوى العوائد المالية من النفط عالية أحدثت طفرة تنموية وأقرت فيها مئات البرامج وآلاف المشاريع باعتمادات فعلية أخذ بعضها طريقه للتنفيذ.
وإذا كان هذا رائعاً وعظيماً على مستوى توفير المرافق والخدمات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه أصبح من الضرورة في هذا الظرف التاريخي المواتي الانعطاف بمسار هذه التنمية والارتقاء بها من مستواها الحالي إلى توفير قطاعات إنتاجية تملأ أرجاء الوطن لتكون بذاتها الآلية العملية الفعلية لتحقيق الاستدامة التنموية وترجمة الهدف الاستراتيجي الذي ظل الشغل الشاغل في خطط التنمية، وهو تنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة وأن تتدخل الدولة بنفسها لخلق كياناته حتى تستقيم فتحيلها إلى القطاع الوطني الخاص، كما يمكن في الوقت نفسه التنويع بالمشاركة الثلاثية بحيث تتولى الدولة التأسيس والتمويل والتشريع والإشراف، فيما يدخل القطاع الخاص الوطني بنصيب من التمويل والإدارة، أما الشريك الثالث وهو المستثمر الأجنبي فدوره لا بد أن يتمثل في نقل الخبرة والتدريب وتوطين التقنية ميكنة وعملاً .. هذا مسعى داخلي يمكن الانطلاق لتحقيقه من خلال التركيز على صناعات وتقنيات مختارة وردت في كل من "الاستراتيجية الوطنية للتصنيع" و"السياسة الوطنية للعلوم والتقنية".
وعودة إلى: (إذا هبت رياحك فاغتنمها" يمكن لأموال القطاع الخاص المستثمرة في الخارج فيما هو خدمي أو ترفيهي أو عقار بحكم أن هذه مجالات قليلة المخاطر، ما زال الاستثمار الخاص غاطساً فيها.. إنما يمكن أيضا أن يغير القطاع الخاص اتجاهه الاستثماري بالاستحواذ على مصانع وشركات في أوروبا وأمريكا أقعدتها الأزمة الاقتصادية العالمية عن البقاء في السوق أو حدت من نشاطها إلى حد مقلق، مما يشكل فرصاً مواتية ليس لمجرد الاستحواذ على ما هو جاهز، لا يعوزه إلا التمويل لإدارته وإنما كإسهام في هدف تنويع قاعدتنا الاقتصادية من الخارج وبما يتيح الفرصة لفتح فروع مماثلة في المملكة وتوافر فرص وظيفية نوعية يمكن أن يشغلها مواطنون بالتدريب على رأس العمل في مقارها الأصلية وفي داخل الوطن.
أما على مستوى الدولة فإضافة إلى معتمد الميزانيات، فقد يكون من الأجدى للأموال السيادية المستثمر جزء منها في السندات الخارجية أو في نسب فوائد الإدخار.. أن يتم استثمار جزء آخر منها، كذلك في الاستحواذ على صناعات وشركات في الخارج لها وزنها النوعي وجدواها الاقتصادية الممتدة بحاجة الأسواق الدائمة إليها في بلدانها وفي الإقليم وبقية العالم، مثلما يجدر أن يكون جزءا أكبر من هذه الأموال السيادية موجهة للداخل بتحويلها إلى أصول إنتاجية لتشكل زخماً وتسارعاً في تنويع القاعدة الاقتصادية يقي تلك الأموال مخاطر ضعف الدولار ورياح الأزمة بنذرها المقلقة .. وهو توجه يحتاج إلى النظر فيه من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى ودراسته بكل تأكيد، وسيشكل الأمر في الحالين - حالة القطاع الخاص في الاستحواذ وحالة استحواذ الدولة في الخارج مع تحويل أموال سيادية لأصول إنتاجية في الداخل - تكريساً تاريخياً لاختصار الطريق والزمن إلى تنويع القاعدة الاقتصادية الوطنية .. منجم الألماس الاستدامة وفرص العمل والتقدم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي