قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أنفسكم

قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أنفسكم

قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أنفسكم

لا أحد يخفى عليه مدى إنشغالنا وكثرة تعاطينا مع أمرونا وقضايانا الإجتماعية , فلا نكاد نجتمع في مجلس أو موقع للتواصل إلا ويكون الحديث الطاغي يدور في فلك هموم الأمة الومجتمع من المعيشة والتعليم والسياسة وبعض الأمور الدينية وما إلى ذلك من المواضيع , وفي الغالب يتجه الحديث أو النقاش في اتجاه بحث دور الغرب في تخلفنا عن ركب الحضارة , حتي يرى البعض بأن الغرب هو سبب كل مآسينا وهمومنا , ولو رفع الغرب يده عن سياساتنا وإقتصادنا وإعلامنا لكان الوضع مغاير تماماً عما نحن عليه اليوم.
وقد يكون ما يراه هؤلاء الأحبه فيه كثيرٌ من الصواب , فالغرب تغلغل في غالب خياراتنا , ويُسيرنا في كثير من أمورنا , لكن أستذكر هنا مقولة للدكتور عبدالكريم بكار "بأننا نكثر من القول بأن تسلط الغرب علينا هو سبب ضعفنا , لكن لماذا لانقول إن ضعفنا هو سبب تسلطه علينا" !
وبطبيعة الحال فإنه من غير السوي أيضاً محاولات التنقية لصفحات الغرب المدنسة بكثير من الجرائم والإنحطاط في حق الإنسانية جمعاء , ونحن كعرب ومسلمين عانينا من إضطهاده وتآمره علينا في الماضي والحاضر , لكن أن نرجع السبب الرئيس في كل تخلف أو جهل و خلافه في مجتمعاتنا للغرب وحده فهو الجهل بعينه , فالله جل وعلا حين عاتب المؤمنين المخالفين لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وهم مستنكرين كيف يحل بنا هذا ونحن أصحاب رسول الله ، بل هو بيننا - صلى الله عليه وسلم - فيأتي الجواب الرباني : "قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أنفسكم"
نعم فالخلل الأول تتحمله أنفسنا , تتحمله سلوكياتنا وتربيتنا لأبنائنا , تتحمله نفوسنا وطموحاتها و جدها وإجتهادها , فإذا كانت تربية الطفل ناقصة على سبيل المثال , فلن يسد هذا العوز كل مدارس الدنيا , فالأمر تكاملي ويجب تأدية كل دور فيه على الوجه الصحيح وعلى الوجه الذي أمرنا به الله جل وعلا من إتقان وإخلاص في الأعمال والعدل وإعطاء الحقوق لأهلها وغيرها من الأمور المهمة.
يقول سيد قطب رحمه الله (أنفسكم هي التي تخلخلت وفشلت وتنازعت في الأمر ، وأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنفسكم هي التي خالجتها الأطماع والهواجس ، وأنفسكم هي التي عصت أمر رسول الله وخطته للمعركة. . فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم , وتقولون:كيف هذا؟! هو من عند أنفسكم , بإنطباق سنة الله عليكم , حين عرضتم أنفسكم لها , فالإنسان حين يعرض نفسه لسنة الله لا بد أن تنطبق عليه , مسلما كان أو مشركاً , ولا تنخرق محاباة له , فمن كمال إسلامه أن يوافق نفسه على مقتضى سنة الله ابتداء )

فالمشكلة فينا وفي أخطائنا وكثير من عداتنا وسلوكياتنا وليس في الغرب وحده , المشكلة في ضعفنا الذي ورثناه عبر القرون وضافعنا هذا الضعف بأيدينا وبغاياتنا وطموحاتنا وبعض أفكارنا , ووساهم هذا الضعف المزدوج من تسلطهم علينا فازدنا وهناً على وهن , والحل في مقاومتهم هو أن نصبح أقوياء ,
فالإبتعاد عن منهاج الله وشريعته العادلة والمبينة لكل خطأ وصواب يتعلق بالنفس والمجتمع والساسية والدين كما أرد لها الله جل وعلا , لا كما أردة لها نفوسٌ كثيرة تغلل بها المرض السياسي أو الفكري , فهذا الإبتعاد هو أحد
هذه الأسباب المهمة والتي من شانها أن تذيق فئة أو مجتمع معين كثيراً من الذل والهوان , فمكة المكرمة على حرمتها ، وعلو منزلتها ، قد عاقب الله أهلها وأنزل فيهم قرآناً لما كذبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى "وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون"
أيها العقلاء: لنقف وقفة صدق مع أنفسنا وأبنائنا وأهلينا و أحبائنا و كل مكونات مجتمعنا , فنحن جزء من هذا المجتمع ولو أصلح كل واحد منا نفسه وإبنه وأهله وجاره سوف لن يضل حالنا كالقارب الصغير في عرض البحر وتلطم به الموج من كل جانب !
فما علاقة الأعداء بما يقوم به كثير من المسلمين من غرق في وحول الشهوات والملذات و الخمور وأخذ الرشوة وأكل للحقوق وتقصيرهم في أداء واجباتهم الدينية والدنيوية وإعراضهم عن القراءة والإطلاع والثقافة وأداء أعمالهم كما ينبغي !؟
لا شك أن الانحراف الشخصي والقصور الذاتي هو العامل الرئيس في كل هذه الأمور.
لنعترف بأن ضعفنا وقصور همتنا ورداءة أعمالنا هي سبب تسلط كل الأمم علينا وليس العكس !

الأكثر قراءة