Author

قمة الرياض وتوقعات الأمة

|
نحن اليوم نتوقع قمة اقتصادية قادمة في الرياض وصفها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بأنها (قمة مراجعة وتدقيق)، للقرارات السابقة، وهذا أفضل وصف سمعناه، لضمان المتابعة وحسن الأداء وتحقيق توقعات القادة، قبل الخوض في مبادرات ومشاريع جديدة ترفع توقعات وتؤدي إلى زيادة الإحباط. يقول الدكتور عبد الرحمن الطريري في مقالته "قمم التفاؤل والإحباط" في جريدة "الاقتصادية" يوم الثلاثاء 8 يناير 2013: "الشعوب العربية لا تلام على آمالها، لأن الواقع الذي تعيشه سواء في الجانب الاقتصادي والمعيشي أو في الواقع التنموي أو في المجال السياسي، كلها أمور مهمة في حياة أي أمة من الأمم، لذا لا غرابة أن تكون الطموحات عالية قبل القمة، وقد يكون الإحباط شديدا بعد القمة إذا جاءت نتائج المؤتمر خلاف ما يتوقعه الناس من هذه القمة". لعلي أركز في مقالتي هذه على تقييم مبادرة أمير الكويت لدعم مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة، التي أقرت في قمة الكويت الاقتصادية في 19-20 يناير 2009، وهي عبارة عن إنشاء حساب خاص في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بمبلغ ملياري دولار، وكانت من أهم القرارات في مؤتمر الكويت، وبالفعل تمت المساهمة من بعض الدول وعلى رأسها السعودية بمبلغ 500 مليون دولار، والكويت بـ 500 مليون دولار، ونحو 202 مليون دولار من الدول العربية الـ 13 الأخرى، حيث بلغ ما تم المساهمة به حتى أكتوبر 2012، 1.202 مليار دولار وجمع من هذه المساهمة حتى الآن 594 مليون دولار لغاية 30/9/2012. قرر الصندوق العربي مدير هذا الحساب الخاص بأن يتم تمويل المشاريع المقدمة من الدول من خلال المؤسسات العاملة في مجال تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في كل البلدان العربية التي هي في حاجة إلى ذلك. وبالفعل بدأ الحساب الخاص في الصندوق العربي نشاطه. وذلك بتوقيع سبع اتفاقيات مع سبع دول بمبلغ 145 مليون دولار، كلها وقعت عام 2012. ولم يتبين لنا كم من هذه المبالغ قد حولت بالفعل. هذه الأرقام البسيطة التي قدمت في ثلاث سنوات بعد قمة رائعة في عام 2009، التي توقع الجميع منها المبادرات العملاقة تعكس عدم فاعلية هذه المبادرة بالطريقة التي يدار بها الحساب الخاص والسياسة التمويلية المتبعة، وإنني على يقين بأن قادة القمة لا تقبل بهذه النتيجة. إن المبادرة الأصلية التي هي أساس لمبادرة الحساب الخاص في الصندوق العربي بدأت من خلال الجامعة العربية في عام 2008 عندما دعا عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ممثلي القطاع الخاص العربي للاجتماع في القاهرة للإعداد لقمة الكويت الاقتصادية، وهناك تقدمت باسم الفريق السعودي المشارك باقتراح إنشاء صندوق تمويلي لتطوير وتمويل صناديق تنموية وطنية في الدول العربية ذات الحاجة الماسة مماثل لصندوق التنمية الصناعية السعودي، وبشروطه وطريقة إدارته نفسها، أي أن يكون الصندوق في الكويت المعتمد من القمة صندوقا عربيا محفزا لإنشاء صناديق إقليمية من خلال إعداد جدوى إنشاء هذه الصناديق الإقليمية، بحيث تحقق الأهداف المعلنة نفسها للصندوق السعودي وهي تنويع القاعدة الاقتصادية وتوظيف وتدريب الكوادر الوطنية ودعم الروابط بين مختلف القطاعات وتشجيع الاستثمار في البلد.. تطبق القواعد والأنظمة المتبعة نفسها في صندوق التنمية الصناعية السعودي التي ثبت نجاحها خلال السنوات الثلاثين الماضية، وأن يقدم الحساب الخاص المساهمة الأولية لرأسمال أي صندوق إقليمي وليكن 100 مليون دولار أو 50 مليون دولار ويحفز ويشجع الصناديق التنموية العربية والدولية لتقديم مساهمات إضافية في رأسمال الصندوق الوطني كقروض بفوائد ميسرة ولتكن 3 في المائة. هذه الطريقة قد تجمع ما لا يقل عن 500 مليون دولار لكل صندوق إقليمي.. وبذلك نكون قد حققنا هدفنا من تجميع سبعة مليارات دولار من التزام عربي لا يتعدى ملياري دولار إذا جمعت كلها للحساب الخاص. إن الهدف الرئيس من المبادرة ليس تقديم قروض واتفاقيات تمويلية للصناديق القائمة من هذا الحساب الخاص، إنما تحفيز إنشاء صناديق وطنية جديدة ناقلة للتجربة السعودية كما ذكرنا، فالدولتان الرئيستان اللتان مولتا 80 في المائة من مبادرة أمير الكويت، وهما السعودية والكويت، ليستا في حاجة إلى وسيط مثل الصندوق العربي في الكويت لتوصيل مساعداتهما لإخوتهما من الدول العربية، فهما تدفعان مباشرة قروضا وتمويلات تنموية بمئات الملايين من الدولارات شهريا لأشقائنا العرب والمسلمين. إن الفكرة الأساسية من مبادراتنا السعودية للجامعة العربية هي إنشاء صناديق تنموية مماثلة لما هو ناجح في السعودية، كي يستفيد القطاع الخاص في كل دولة عربية الفوائد نفسها التي استفاد منها القطاع الخاص السعودي بخدمات الصندوق الصناعي، التي اعتمدت قروضا بنحو 105 مليارات ريال سعودي وصرفت بالفعل 70 مليارا للصناعيين وتم تسديد نحو 40 مليارا حتى الآن، ما يعكس التزاما ممتازا من القطاع الخاص، كل ذلك ساعد على إنشاء 3500 مصنع في المملكة بمبيعات محلية تعدت 300 مليار ريال وصادرات غير نفطية 200 مليار ريال في عام 2012. إنني أدعو القادة العرب، خاصة السعوديين والكويتيين، الذين قدموا مشكورين الالتزام الأصلي، وهو مبلغ مليار دولار بأن يطلبوا من الصندوق العربي مدير الحساب الخاص إعادة النظر في أسلوب إدارته لهذا الحساب من مجرد مؤسسة تمويلية لأجهزة قائمة قديمة وبيروقراطية، ولا يمكن أن تحقق الأهداف المتوقعة من قادتنا إلى مؤسسة خلاّقة محفِّزة لتطوير صناديق تنموية في كل بلد تدار بأسلوب تجاري أمين وواضح وشفاف، وحسب التجربة السعودية التي تستطيع أن تحصل على ثقة المؤسسات التنموية العربية والعالمية والإسلامية لتشارك في رأسمال هذه الصناديق الوطنية المنشأة من هذا الحساب الخاص، وبذلك تستطيع أن تجمع مئات الملايين لكل بلد، وبذلك نحقق أهداف قادتنا، خاصة أن هذه المؤسسات التمويلية العالمية والعربية ستشارك في مجالس إدارة كل صندوق يموّل من قبلهم لضمان الشفافية وتوجيه الأموال لمستحقيها. وأتوجه شخصيا إلى الأمير سعود الفيصل بأن يؤكد ما ذكره في مؤتمره الصحافي مع نظيره المصري هذا الأسبوع بأن القمة في الرياض (ستكون عليها مسؤولية كبيرة في متابعة ما نفِّذ من قرارات سابقة للقمة). وأرجو أن يكون تقييم الحساب الخاص من أولويات التقييم لما له من أثر مهم متوقع في المجتمعات العربية لو نفذ كما اقترح من القطاع الخاص السعودي. خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الاقتصادات العربية. وكلي أمل في أن ندعى لطرح تصوراتنا كقطاع خاص عند مراجعة هذه المبادرة.
إنشرها