الشركات المتوسطة وأزمة النمو
كثيرة هي الزوايا التي تقيم من خلالها الشركات وأداؤها الربحي أو الإداري، وربما أن الأسلوب الشائع في تقييم أداء الشركات هو مقارنتها بمثيلاتها في نفس القطاع المحلي أو الدولي بمقارنة معدلات العائد المختلفة، كالعائد على الأصول أو العائد على رأس المال المستثمر. وربما ذهب البعض إلى ما هو أعمق من ذلك في مقارنة معدلات أخرى دقيقة مثل حجم المصاريف الإدارية مقارنة بالمبيعات، أو حتى حجم الاستثمارات الأخرى خارج نشاط الشركة الرئيسي.
ما سبق ينطبق تماما على تقييم الشركات الكبيرة المدرجة في الأسواق، والتي تعلن عن قوائمها المالية بشكل دوري، أما في الشركات الصغيرة والمتوسطة، فعادة ما يكون تقييم الأداء صعبا لعدم وجود أرضية للمقارنة، إلا أن هذا لا يجعل من تقييم الأداء المالي أمرا مستحيلا أبدا. ويشكل تقييم الأداء المالي نقطة البداية لتقييم الأداء الإنتاجي والإداري للشركة.
كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة تصل إلى مرحلة تواجه فيها صعوبة في نمو المبيعات أو عدم استقرار التكاليف حتى الثابت منها، وقد تتفاقم هذه الحالة إلى وصول نسبة النمو في الشركة إلى صفر، فتتوجه معظم الشركات إلى تخفيض تكاليفها لتحقيق بعض النمو، والذي قد يتحقق لسنة أو أكثر، ولكنه سرعان ما يعود للانخفاض مرة أخرى، والكلام هنا عن السوق السعودي تحديدا.
في معظم الأحيان يعود سبب تراجع النمو أو توقفه أو حتى انخفاض الأرباح إلى تراجع الإبداع والابتكار في الأقسام المهمة في الشركة، ويعزى هذا التراجع إلى الضعف الإداري في إرضاء الموظفين المهمين على الأقل، والذين يؤثر أداؤهم في أداء الشركة، فمعظم هذه الشركات يكون فيها معدل هجرة الموظفين ودخول موظفين جدد عاليا، ولا يكاد يستقر معدل هجرة الموظفين، إلا ويعود مرة أخرى للارتفاع لسبب رئيسي هو عدم تلبية الشركة لطموح الموظف. في معظم الحالات التي اطلعت عليها يكون لدى الإدارة قناعة بأن الإبداع من واجبات الموظف التي يتقاضى من أجلها الراتب، وهذا خطأ كبير ترتكبه معظم الشركات المتوسطة، فتراوح مكانها حتى تصل إلى مرحلة اليأس والخروج من السوق.
إن المنطق والتجربة يثبتان أن الشركات التي تضع الحوافز المالية والمعنوية لموظفيها، هي من تبقى قادرة على المنافسة، فروح الإبداع في هذه الشركات تكون هي المسيطرة على البيئة الداخلية في الشركات. في تجربة بسيطة، قام مدير أحد الأقسام في إحدى الشركات المتوسطة بتقسيم موظفيه إلى فريقين، كل فريق يختار يومي خميس من كل شهر كإجازة أسوة بالشركات الكبرى، فيكون قد حصل على إجازتي نهاية أسبوع كاملتين كل شهر، بعد أن كان جميع الموظفين يأتون للعمل كل أيام الخميس. النتيجة كانت دقة أكثر في العمل، و تحسنا كميا وكيفيا في عملهم بدرجة 25 في المائة. صحيح أن الشركة لم ترتفع تكاليفها، ولكنها بهذه التجربة البسيطة حسنت من أداء قسم مهم فيها.
قد تستطيع العمل بتكاليف منخفضة، ولكن لا تتوقع أن تحقق نتائج مبهرة على المدى الطويل، إلا في حالة البيع الحصري لاختراع أو منتج مهم، هذه قاعدة اقتصادية وطبيعية، ولو خالفتها أي شركة في ظل نظرية السوق الحر، فإنها لن تستطيع الاستمرار والمنافسة.