طريق آسيا الصعب

طريق آسيا الصعب
طريق آسيا الصعب

مانيلا :إن العام الجاري سينطوي على تحديات كبيرة ومسؤوليات جديدة - سياسية واقتصادية واجتماعية - لقارة آسيا النامية. إن الطريق إلى نمو اقتصادي مستدام وشامل سيكون صعبا، لكنه سينطوي على فرص مثيرة للاهتمام لآسيا وبقية العالم.

بعد خمس سنوات من بداية الكساد العظيم فإن استعادة الانتعاش الاقتصادي لا تزال بعيدة المنال في الاقتصادات المتقدمة. يجب على قادة أوروبا اتخاذ قرارات صعبة من أجل حل أزمة اليورو وإحياء النمو، وعلى الرغم من أن هناك إشارات إلى استعادة الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة فإنها لا تزال تعاني مأزقا سياسيا فيما يتعلق بما يطلق عليه ''حافة المنحدر المالي''. من الممكن أن تبدو الإشارات الرئيسة أقوى مقارنة بالعام الماضي لكن المخاطر زادت.
أما في آسيا فإن الحصافة المالية سمحت بإجراءات الحفز التي كانت مطلوبة من أجل إحياء النمو الاقتصادي العالمي سنة 2010، لكن التحول الاقتصادي الذي حصل خلال العقود الماضية وصل إلى مفترق طرق. على الرغم من وجود اقتصادات قليلة ذات دخل منخفض تحاول اللحاق بالآخرين فإن من غير المرجح أن تستمر سنوات نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسب تتجاوز 9 في المائة، خاصة في الصين والهند، وذلك بسبب البيئة الخارجية المتواضعة مع وجود ضعف داخلي.
إن آسيا في حاجة إلى أن تتأقلم مع مرحلة جديدة من النمو الأكثر اعتدالا مع التعامل مع انعدام المساواة الموجود على نطاق واسع وتحسين الاستدامة. إن التوسع الاقتصادي غير المسبوق الذي أخرج الملايين من الفقر رافقته زيادة في الفوارق الاقتصادية، إضافة إلى ضرر بيئي خطير، ونتيجة لذلك فإن لآسيا الآن وجهين: طبقة متوسطة مزدهرة وآخذة في الاتساع، وأولئك الذين لم يستفيدوا بعد من التنمية الاقتصادية السريعة للمنطقة – والذين تتأثر صحتهم ورفاهيتهم بشكل سلبي بسبب مشاكل كبيرة مثل تلوث المياه والهواء.

#2#

باختصار فإن التحديات الرئيسة التي تواجه آسيا اليوم هي استدامة النمو الاقتصادي – بمعدلات أقل لكن لا تزال مرغوبة للغاية - وتحسين نوعيته. إن آسيا في حاجة إلى نمو قوي وشامل وبيئي مبني على المعرفة يعكس الحاجة إلى إعادة التوازن لمصادر الديناميكية الاقتصادية، وذلك من أجل التركيز على الطلب المحلي والإقليمي وفيما بين الأقاليم ''جنوب - جنوب''.
إن العلاقات الاقتصادية مع الغرب لن تقل بسبب هذا التحول، وكما قام الغرب بتوفير الصادرات والخبرة من أجل تدعيم التوسع الاقتصادي في آسيا فإن آسيا توفر فرصا للاقتصادات المتقدمة من أجل تحويل نماذج النمو لديها من أجل التأقلم مع تحديات العولمة. إن السنة القادمة ستشهد لحظة خلاقة لتطوير آسيا، وذلك عن طريق تحقيق تقدم في إنجاز أجندتها الخاصة، وهذا بدوره سيعطي الاقتصادات المتقدمة المرونة والفرص التي تحتاج إليها من أجل تحقيق إمكاناتها الاقتصادية.
يجب على قادة آسيا من أجل تحقيق النجاح ألا يسمحوا للمشاكل الدبلوماسية، بما في ذلك النزاعات على الأراضي التي زادت سنة 2012، أن تكون عاملا إضافيا لعدم الاستقرار في بيئة تعاني أصلا وضعا اقتصاديا وجيوسياسيا غير مستقر . لو أخذنا في الاعتبار جوانب عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي الحالي فإنه لا يوجد مجال لمثل هذا النوع من الإرباكات، فاستمرار الوضع الجيوسياسي المتقلب سيؤخر إن لم يعق نشوء آسيا جديدة ذات طراز عالمي.
في هذا السياق فإن القادة الآسيويين الصاعدين للسلطة سنة 2013- على سبيل المثال في الصين واليابان وكوريا الجنوبية – يجب أن يعطوا الأولوية لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي الإقليمي. إن مثل هذه العلاقات ستكون أكثر أهمية لو تدهورت الأوضاع الاقتصادية العالمية. إن النزاعات السياسية يجب ألا يسمح لها بعرقلة التعديلات المطلوبة من أجل التحقق من تنمية مستدامة طويلة المدى.
إن هذه التعديلات عديدة. إن الازدهار الاقتصادي خلال العقدين الماضيين كانت تحركه بشكل عام الروابط التصنيعية بين الأقاليم، حيث يتم الحصول على مصادر البضائع والقطع من آسيا نفسها حيث يتم تجميعها لتصبح بضائع جاهزة للتصدير للأسواق المتقدمة، ما أعطى المنطقة لقب ''آسيا المصنع''، لكن التباطؤ العالمي المستمر سلط الضوء على مخاطر الاعتماد الزائد على الحد على التصدير، ومن أجل التحقق من استقرار طويل المدى يجب على آسيا أن تجد مصادر جديدة للنمو وزيادة الإنتاجية وتحسين الفاعلية.
إن توسيع التجارة والروابط الاستثمارية ضمن الجنوب يمكن أن يعزز إمكانات النمو في المنطقة ويسهم في الاستقرار الاقتصادي العالمي، وذلك عن طريق تعزيز إعادة التوازن العالمي، ومن أجل تسهيل ذلك فإن آسيا النامية يجب أن تعمل على التقليل من عوائق التجارة الداخلية والاستثمار، التي لا تزال أعلى من تلك الموجودة في الدول الصناعية – والاستمرار في الترويج للاندماج العالمي والإقليمي. إن تطوير قطاع خدمات نشط مهم أيضا، فبينما تزيد أجور التصنيع وتنخفض الكثافة العمالية، ستحتاج آسيا إلى الاعتماد على الخدمات من أجل خلق الوظائف لملايين الناس الذين ينضمون إلى سوق العمل سنويا، فبينما هناك حاجة إلى قليل من الاستثمار من أجل تطوير قطاع الخدمات، فإن تفكيك الأحكام التنظيمية الزائدة على الحد سيحتاج إلى إرادة سياسية قوية.
إن الكوارث الطبيعية التي حصلت أخيرا سلطت الضوء على أهمية المرونة في التعامل مع المناخ كوسيلة لتحسين نوعية الحياة. إن حماية الفقراء وإدارة الهجرة للمدن ستساعدان في هذا الخصوص، ويتطلب ذلك مزجا متقنا بين الابتكار وثبات الشعوب. يجب أن تتضمن الإجراءات إصدار ملكيات الأراضي وإزالة لوردات الأحياء الفقيرة وتوفير الخدمات الأساسية. إن التحول الحالي لآسيا - المتجذر في الاعتقاد طويل المدى بأن النمو المتساوي والشامل والمبني على المعرفة بشكل متزايد سيساعد على تخفيض الفقر وتوفير المزيد من الرخاء لمواطنيها - يتطلب التزاما قصير المدى بالتخفيف من أي تباطؤ اقتصادي عالمي تتسبب فيه صدمات جديدة، كما أنه يتطلب أيضا جهودا حثيثة لتخفيض انعدام التوازن العالمي عن طريق إعادة التوزان لمصادر النمو في آسيا نفسها. لو نجحت آسيا في ذلك، فإن آسيا التي ستنشأ من ذلك التحول لن تتمتع بالرخاء فحسب، بل ستكون أيضا حصنا للسلام العالمي – وهو ما سينفع في نهاية المطاف البشرية جمعاء.

* هاروهيكو كورودا هو رئيس بنك التنمية الآسيوي.
* تشانجيونج ري هو كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة