ماذا يحصل في نهاية السنة المالية؟
في نهاية الفترة المالية تصبح المعلومة هي الكرة، ويبدأ اللاعبون بالتزايد، فيظهر مراجع الحسابات وترتفع أصوات الملاك والمستثمرين، وقد يتناقل الإعلام تَبِعات ذلك. يزداد حينها الضغط على المحاسب ومديره المالي وكل من يعلوهم إدارياً، فالجميع ينتظر والتوقيت يصبح ذا أهمية كبرى لأن تأخر المعلومة يعني بكل بساطة: فقدان القيمة. وهنا، تظهر فاعلية ورشاقة الإدارة المالية والمحاسبية في المنشأة.
في هذه الأيام تُنهي أكثر المنشآت سنتها المالية، بالتوافق مع اليوم الأخير من السنة الميلادية. وفي هذا التوقيت يتم الفصل مالياً ومحاسبياً بين فترة وأخرى، وينتج عن ذلك الكثير من الاعتبارات والأعمال والنتائج. تؤثر هذه النتائج بدورها في إدراك وفهم أصحاب القرار في المنشأة، وبالتالي مصيرها القادم. سأسرد هنا بعض الاعتبارات التي تتعلق بالفترات المحاسبية وما يحصل عادةً في نهايتها.
أشير أولاً إلى أن السنة المالية فترة زمنية يتم تحديدها عن طريق المنشأة، ومن المفترض أن تقع ضمن فترات منتظمة تُقَسّم لغرض إعداد وعرض التقارير المالية. السنة المالية للمنشأة التجارية هي نفسها ما يطلق عليه السنة المحاسبية. تتكون السنة المالية من 12 شهرا تتبع عادةً التقويم الزمني المستخدم (قمري أو شمسي) وقد توافق أو لا توافق بداية ونهاية هذا التقويم. لا ترتبط المنشآت التجارية بالسنة المالية للحكومة أو أي جهة أخرى، إلا أن للمنشأة موافقة هذه الفترات بالاختيار إذا كان ذلك يحقق أهدافها المحاسبية والمالية.
تُعدّ التقارير المالية كذلك لفترات مختارة أطول أو أقصر من السنة (كالتقارير ربع السنوية مثلاً). لكن، تشكل السنة عادةً الفترة المالية الأساسية التي تكون ثابتة ضمن سياسة المنشأة في عرض بياناتها المالية حتى يُستفاد منها في عملية المقارنة والمقابلة بين مؤشرات الأداء والقيمة، وهذا ما ينتظره مستخدمو التقارير المالية في نهاية المطاف. وهؤلاء في العادة هم: ملاك المنشأة أو المستثمرون، ومن يهتم بعمليات ومستقبل المنشأة كالموردين والدائنين والموظفين، إضافة إلى الجهات النظامية كمصلحة الزكاة والدخل.
قبل النظر في نتائج تقارير نهاية الفترة، من المهم أن نتأكد عما إذا كان اختيار الفترة منطقيا يناسب طبيعة أعمال المنشأة. فهل مثلاً اختيار السنة التقويمية الميلادية ملائم؟ وماذا عن طول الفترة (12 شهرا؟ أكثر أو أقل؟) وتأثير ذلك في مستوى المقارنة الممكنة مع التقارير السابقة للمنشأة ومع تقارير المنشآت الأخرى. تستقطع إدارة المنشأة جزءاً من وجود المنشأة التاريخي لتمكننا عن طريقه من الحصول على المزيد من الفهم، وإذا كان هذا الاستقطاع سيئاً، فسيكون الفهم سيئاً كذلك.
سؤال آخر: هل اختيار نهاية السنة الميلادية (31 ديسمبر) كنهاية للفترة المالية للمنشأة يعد اختيارا ملائماً؟ هذا يعتمد على مدى توافق الدورة التشغيلية للمنشأة مع السنة التقويمية. طبيعة نشاط المنشأة هي ما يحدد التاريخ الأمثل لبداية ونهاية فترتها المالية. سيكون من الملائم لمشروع سياحي بدء فترته المالية مع بدء الموسم السياحي في أشهر الربيع أو الصيف (شهر مايو مثلاً) وقد تحرص المدارس على اختيار شهر سبتمبر لبداية السنة المالية لموافقته الدائمة بداية العام الدراسي. بينما لا تريد منشآت السياحة الدينية أن تحدد فترتها المالية بالتوافق مع السنة الميلادية وإنما الهجرية، لأن ذروتها التشغيلية مرتبطة بشهري رمضان وذو الحجة.
إذا نظرنا لنهاية السنة المالية كخط نهاية افتراضي لرحلة عرض المعلومة المالية، سنجد أن المعلومة تبدأ رحلتها مبكراً وتنتهي بالإجراءات المحاسبية والمالية. فهي قد تكون أولاً مجرد فكرة ينقلها فريق التشغيل (موطن عملية البيع أو الإنتاج أو تقديم الخدمة) إلى الواقع، ليصبح هناك حدث أو عملية تديرها المنشأة، وينتج عن هذا الحدث أثر يستوجب القياس. هنا يأتي دور فريق المحاسبة ليعالج هذا الأثر محاسبياً ويصنع به معلومة مالية مفيدة. تبدأ هذه المعالجة من القيد المحاسبي مروراً بمعالجات وتسويات نظامية تنتهي بالتقارير التي تُعد وتُراجع في نهاية الفترة.
من جانبٍ آخر، قد يدفع فريق المحاسبة في بعض الأحيان ثمن ضعف أنظمة الرقابة والحوكمة في المنشأة، فتصبح إجراءات المحاسبة وترتيبات التقفيل في نهاية العام مسرحاً من التوتر والفوضى نتيجةً لسلبيات الإدارة. وهذا بالطبع يُصعب المهمة على مراجع الحسابات الذي يُنتظر منه إضفاء الثقة والمصداقية على إجراءات الإدارة وفريقها المالي. لذا، ينبئ تأخر صدور تقرير مراجع الحسابات (الذي يُفترض صدوره بعد نهاية الفترة المالية بعدة أسابيع) بوجود خلل ما، سواء كان في عملية المراجعة نفسها أو في إجراءات المحاسبة التي تسبقها أو حتى في صلب أعمال المنشأة.
تتعدد اليوم الحلول المعرفية والإلكترونية لتسجيل ومعالجة وعرض المعلومات بكفاءة، فلا يوجد ضرورة لقيد يدوي يأخذ دورة طويلة لكي يخرج للوجود بعد سلسلة من التجميعات والتسويات. تلائم اليوم الحلول المعلوماتية كل المنشآت وهي متوافرة للجميع، حتى أصغر المنشآت حجما. وصلنا اليوم للحوسبة السحابية المبدعة وتدخلت حتى تطبيقات الهواتف الذكية في إدارة المنشآت. كل ما يتطلبه الأمر هو إدارة واعية تقوم بالاستفادة من الحلول الموجودة لتعكس نتائج إنجازاتها بصورة معقولة على أرض الواقع، وتقدم معلومة ملائمة للمستفيدين في توقيت جيد يمكنهم من إصدار قراراتهم بفعالية. الوعي المالي – وبما في ذلك التعرف على اعتبارات نهاية السنة المالية - يصنع هذه الإدارة الواعية، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة (وعي الإدارة نفسها واختياراتها واستعداداتها) أو غير مباشرة (وعي أصحاب المصلحة وضغطهم على الإدارة).