الامام الراحل قدوة لشباب أئمة الحرمين خير ممثل للوسطية

الامام الراحل قدوة لشباب أئمة الحرمين خير ممثل للوسطية

الامام الراحل قدوة لشباب أئمة الحرمين خير ممثل للوسطية

فقدت الأمة الإسلامية العالم الجليل و الفقيه البارز علماً من أعلام أمتنا المجيدة نموذج السلف و قدوةً للخلف خصوصاً لأئمة الحرمين الشريفين, وهو سماحة الشيخ محمد بن عبد الله السبيل رحمه الله, كان سماحة الشيخ غزير العلم وفير الحلم وسيع الإطّلاع خبيراً بأحوال الأمة مهتماً بشؤونها حريصاً فى حل قضاياها كما كان خير ممثل للمنهج الوسط الذي يمتاز به علماء خير أمة أخرجت للناس أمة وسط و أمة رحمة للعالمين.
تعرفت على هذا الإمام الجليل أثناء عملي في شؤون التدريس بالمسجد الحرام كمترجم و مراقب مع عملي في التدريس بالمدرسة الصولتية, ولا ازال احفظ من وصاياه للعاملين في شؤون رقابة التدريس من طلبة العلم, و منها التحلي بأخلاق العلماء مع التزين بأدب الخلاف فى ما يساغ فيه الخلاف و الاحترام للرأي, والرأي الأخر لأئمة الهدى أهل الاجتهاد مع عدم إثارة الخلافات التي يسبب النزاعات و الشقاق فى الأمة, ليكون مسجد الحرام منبراً لنشر الثقافة العلمية المعروفة لدى علماء الأمة سلفاً و خلفاً, فإنّ الأمة لا تتوحّد بتوحيد الرأي الاجتهادي فيما يسع فيه التعددية لكنها توحّدت فى الماضي منذ خير القرون, و تتوحّد الآن و في المستقبل بتوحيدها فى الاصول مع الاحترام بالرأي, و الرأي الأخر فى الفروع, و تذكرت حديث معاليه و حديث ابنه العزيز فضيلة الشيخ عمر السبيل رحمه اللّه فى منزله اثناء مناقشتنا قضية الاختلاف الفرعي والجهل الذي يسبب الضيق الفكري الموصل إلى النزاعات حينما كان رئيساً لشؤون المسجد الحرام و المسجد النبوي, والشيخ عمر كان إماماً بالمسجد الحرام و كنا نتحدث حول معالجة هذه القضية حيث قال رحمه اللّه إن الشقاق بين قليلي الثقافة رغم تحمسهم بالتدين, سببه عدم الاطلاع على أسباب الخلاف في الفروع, ثم أجاد ابنه العزيز فضيلة الشيخ الدكتور عمر السبيل فقال: وهو يخاطبني يا شيخ سعيد "إنّ الناس اعداء لما جهلوا" و زاد قائلاً إنّ بعض الناس غير مطّلعين على مسالك أهل الحق من اصحاب الاستنباط و مذاهب أهل الاجتهاد, فلا يعرفون سعة شريعتنا و سماحة ديننا و وسطية إسلامنا, ويسيئ مثل هولاء إلى الآخرين فى الكلمة بسبب عدم تحليهم بآداب الخلاف عندما تعددت الآراء الاجتهادية فى فروع الدين, و يجهل البعض أساليب التعايش مع الآخرين.

كما شكر الشيخ عمر رحمه الله حسن تربية والده سماحة الشيخ محمد السبيل, وقال: لأن سماحة الوالد عالم فقيه مطّلع على آراء الفقهاء المجتهدين فى مسائل إجتهادية وعلى طرق استنباطاتهم عارف بآداب الخلاف, فتربّي على ذلك و ربّانا نحن أولاده و طلابه و جميع ملازميه فى حلقات دروسه و مجال تدريسه, ولا شك أنّ هذه السمة محل تقدير و إعجاب من قبل الجميع هذه هى الوسطية و فيها خيرية الأمة, وهو الطريق الوحيد لتوحيد صف الأمة و لم الشمل, و مثل هذا الإمام الجليل قدوة للآخرين الذين وفقهم اللّه للرقي إلى مثل هذا المناصب و البلوغ إلى مقام المسئولية.

كان الشيخ محمد بن عبد اللّه السبيل مستأنسا بأهالي أم القرى, و محبباً لديهم, حينما عيّن اماماً بالمسجد الحرام, و كان صوته الرنّان منذ ذلك الوقت يعشق إليه أسماعهم, و قد حلي سماحة الشيخ بخصائل حميدة منها أنه كواجب الإمام المثالي فى هذا المقام العالي و المصلى العظيم كان يستفسر أحوال المأمومين, و عند لقاء أحد كان يسأل دائماً عن أحوال الآخرين, و اني كلما زرته كان يسأل عن احوال المدرسة و المدرسين, وقد ورث سماحته هذا الخلق من سلفه سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس الإشراف الديني بالمسجد الحرام, ومن خصائله الحميدة انه كان دائم الاتصال مع الاحبة من طلبة العلم, و كان يرد على اتصالاتهم عاجلاً أو آجلاً بكل اهتمام, و من تواضع سماحة الشيخ السبيل انه حينما يأتي إلى الحرم لإمامة الصلوات كان يجلس مع عامة المصلين فى الصفوف الأول, فنجده و هو يرد على المستفسرين أو يكون مشغولاً فى صلاته و أذكاره و أوراده فى حجر اسماعيل او فى الحصوة, و هذا قبل التوسعة الجديدة فى المطاف, و بعد تعينه كرئيس لشؤون المسجد الحرام و المسجد النبوي الشريف كان مرجعاً فى مكتبه فى الرئاسة للزوار و الشخصيات الدينية, و كان سهل الوصول إليه, أما فى المساء فيجلس فى مكتبه في باب الملك عبد العزيز أو فى حجرته فى باب الفتح, فيستقبل جميع المراجعين و طلبة العلم و الضيوف الوافدين من خارج المملكة من شتى أنحاء العالم, و قد تشرفت سواء من قبل الضيوف أو من قبل سماحة الشيخ بالتوسط بين الضيف و المضيف كمترجم, فما وجدت احداً على مثل هذه المسؤلية صاحب سعة الصدر مثل هذا الإمام الراحل الجليل,

و في ايام العطلة أو بعد أوقات الدوام الرسمي كان مرجعاً للزوار و الوافدين سواء فى بيته فى العزيزية أو فى العوالي, و خصوصاً فى مجلسه يوم الاثنين بعد العصر حين إقامته بمكة المكرمة.

فكان رحمه اللّه تعالى أول أئمة المسجدين المنيفين منْ سافر خارج بلاد الحرمين الشريفين كخير ممثل للإسلام و عالمية هذا الدين و خير قائم بالدعوة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالحسنى, سافر إلى شرق العالم و غربه و إلي شماله و جنوبه و إلى البلاد الإسلامية فى آسيا و فى أفريقيا و زار الاقليات المسلمة في أوروبا و أمريكا, حيث تقيم فيها الجاليات المسلمة المهاجرة من شبه القارة الهنديه باكستان و الهند و بنجلاديش, و من البلاد العربيه.

فكان سماحته فى رحلاته خير نديم لرفقاءه, و افضل خطيب لمستمعيه, مطّلع على أحوال من يخاطبهم فيكون كلمته أنسب مقال للحال والماحول والمخاطبين , فإذا سافر إلى باكستان و كان كثير السفر إليها يحسبه أهله كأنه إمامهم و منهم و مرشدهم و خطيبهم و عظيمهم الروحي, و إذا سافر إلى الهند كان حديثه يناسب حالهم و ما يعالج قضاياهم, سافر الشيخ محمد السبيل إلى كشمير فلم ينس قضيتهم و نصرتهم بالدعوة و الدعاء إلى اخر خطابه و خطبته, و إذا سافر إلى بلاد الغرب لزيارة الأقليات المهاجرات من اخوانه المسلمين, فكان خير ناصح و واعظ لهم يحثهم على الثبات بدينهم و التمسك بتقاليدهم.
و كان يشارك فى المؤتمرات و الندوات العالمية, و شارك عدة مرات معنا فى مؤتمراتنا حول عقيدة ختم النبوة و الرد على مدّعى النبوة كذباً, وألف فى موضوع ختم النبوة تصنيفاً لطيفاً, وكان كثير الاهتمام بهذه القضية.

وكان سماحة الشيخ السبيل رحمه اللّه تعالى يقدر جهود علماء الإسلام الذين خدموا عقيدة ختم النبوة, و كان الشيخ منظور رحمه الله من كبار هؤلاء العلماء ومن المقربين لدي سماحة الشيخ السبيل, وفي إحدي زياراتنا لسماحته في مكتبه هو سأل الشيخ منظور وكان معنا فضيلة الشيخ عبد الحفيظ ما هو أحسن كتاب من تأليفات العلامة منظور أحمد الذي يقوم الشيخ سعيد عنايت الله بتعريبه ليستفيد منه العرب؟ فأشار الشيخ منظور إلى كتابه الأصول الذهبية فى الرد على القاديانية, فأمرني الشيخ السبيل بتعريبه قائلاً عرّب أنت وأني سأقوم بطباعته على نفقتي الخاصة, وحينما اكملت التعريب سرّ بذلك كثيراً, وكان هو أول من رصّعه بتقديمه القيم, وهو دون شك مفخرة لي, و قد طبع الكتاب باللغة العربيه عدة مرات باسم "الاصول الذهبية في الرد على القاديانية". ولا شك انه مسجل في ميزان حسناته إن شاء الله تعالى!

كان سماحة الشيخ محمد السبيل شخصية فذة, فكان رجلاً يلقي و يتلقى, و يعطي ما عنده من الخيرات, ويتلقى من تعرفه على أحوال الناس فكرة معالجتها وهمّ حلولها, وكان يكرم ويحترم الأشخاص و الجماعات و الحركات التي كانت قائمة بعمل الدعوة إلى اللّه فيزورهم فى مساجدهم و مراكزهم فى بلادهم, كما كان يرحب بهم فى هذا البلد الحرام حينما يأتون إليها بكل ترحاب وسعة صدر حتى ويضيف معظمهم فى منزله, أمّا الإدارات والمراكز والمساجد التي زارها هذا الراحل المرتحل العظيم أو كبار رجال العلم والدين الذين زاروه فى مكتبه فى الرئاسة أو داخل الحرم المكي الشريف او فى بيته, فهذا أمر ان لم يكن مستحيلاً فإنه لعزيز يحتاج إلى جهد كبير, وانني أرجو من ابنه العزيز سعادة الدكتور عبد العزيز وهو كثير الصحبة معه فى أسفاره كما ارجو من سعادة الدكتور عبد المجيد و كان يلازمه أثناء إقامته وأبناءه البررة الآخرين أن يبذلوا جهدهم لجمع أمجاده رحمه الله, ولعل هذا الارث القيم لسماحة الوالد يثبت خير ثروة لمن وليه من شباب أئمة الحرمين الشريفين.
فنعم الرجل, و نعم الإمام, و نعم المربي, و نعم المرشد, و نعم القائد و القدوة, أنت يا سماحة الوالد محمد بن عبد اللّه السبيل, و أنت فى أمان اللّه, فرحمك اللّه رحمة الأبرار, و جعل مثواك اعلى العليين, و جعل عاقبتك خيراً من الأولى. أمين يا رب العالمين.

الأكثر قراءة