نحن أمة لا تكتب.. فكيف نقرأ؟
تترجم اليابان أكثر من 500 عنوان من اللغات الحية إلى اللغة اليابانية كل عام فكم نتوقع الكتب التي تكتب كل سنة؟ ويلزم القانون الياباني كل بائعي الحاسبات بأن يلحقوا بها مترجما آليا من اللغات الحية إلى اللغة اليابانية ويعد المترجم الآلي الياباني من أدق أدوات الترجمة حيث صرفت عليه اليابان ملايين الدولارات ليصل إلى مستوى دقة يتعدى 98 في المائة.
ومع القيمة المضافة للكتابة التي لا تقدر بثمن فإنها في الدول المتقدمة تعد مصدرا من مصادر الدخل ومولدا للوظائف فمن منا لم يطلب كتبا من أمازون أو بارن ونوبل لحاجته إليها في التعليم أو العمل ومن منا من لم يتابع فلما كان مصدره رواية أو كتاب حيث تعد الكتابة المصدر الأساسي لصناعة الترفيه والذي صار عندنا مبتذلا ربما يشمئز منه الممثل نفسه قبل الجمهور وذلك لأميتنا في الكتابة وسطحية المفاهيم الاجتماعية التي لا تنتج إلا أعمالا متشابهة وتتدنى مستوياتها مع الوقت وهي الآن في الحضيض, فلن تجد اليوم مسلسلا يغوص في عذوبة الأدب بدلا من الصراخ والنباح والتركيز على أشياء أخرى.
الكتابة هي منظار المستقبل لأي أمة تريد النهوض وهي أساس تطور العلم في الجامعات والمراكز البحثية فبالكتابة نستطيع تطوير التعليم والصحة وشؤون الحياة الأخرى كافة وعلى مر التاريخ الحديث تقدمت أمم وتخلفت أخرى بسبب الكتابة فالفكر الشيوعي بدأ بكتاب والرأسمالي كذلك خدمته عدة كتب ونظريات وأما الاقتصاد الإسلامي فلم يتعد أفواه المفتين في جزئيات خاصة وابتعد الاقتصاديون المسلمون عن تطوير آليات وشرح نظريات لتطوير الاقتصاد الإسلامي وهذا مردود إلى الفقر الكبير في الكتب الاقتصادية الإسلامية التي لا بد من إيجاد طلاقة فكرية في مجالها لتثري مستقبل الاقتصاد العالمي.
اهتمامنا بالسياحة على سبيل المثال أمر جيد وذلك للرغبة في توليد الفرص الاستثمارية والوظائف للمواطنين ولكن الكتابة مع إرثها العميق تساوي أضعافا مضاعفة مما قد نحصل عليه ماديا من السياحة وتنافسها الكتابة بما لها من قيم اجتماعية وثقافية وتحضر والتي لا تقدر بثمن.
ولن نلوم القراء الذين يتشوقون لقراءة ما يناسبهم وما يحتاجون إليه، فالطالب الجامعي يبحث عن مرجع ليستفيد منه في تخصصه العلمي سواء كان مؤلفا بالعربية أو مترجما إليها والرياضي يبحث كذلك عن كتاب يتحدث عن الرياضة وهمومها ولو أننا أوجدنا بانوراما من عناوين الكتب المؤلفة بالعربية أو المترجمة إليها لرأينا الكتب في أيدي القراء العرب لأن الكل سيبحث عما يحتاج إليه ويهواه ولكننا حصرنا أنفسنا في زاويتين لا نقلل من أهميتهما بل ما زلنا نحتاج إلى مضاعفة الطلاقة الفكرية فيهما ألا وهما زاوية الشعر وإن قل وزاوية الكتب الدينية وإن شحت فمتلازمة الكتابة أمر حتمي إذا أردنا أن نقرأ لنتطور ونكتب ثم نقرأ وهكذا.
ونحن أمة ألزمنا الله بالقراءة حيث كانت أول آية نزلت على الرسول الأمي النبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، فهنا نفهم أن القراءة ستأتي بعد الكتابة حيث أتى بعدها (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم) فمن كرم الله أن علمنا بالقلم وهو أداة الكتابة التي من المفترض أن تأتي القراءة بعدها لأنها قراءة لشيء مكتوب وإن لم يقرأه أحد فكأنه لم يوجد، فالكتابة والقراءة ميزة إنسانية لا توجد عند غيره من المخلوقات وجدت لتسجيل الفكر وتدوين العلوم الإنسانية لتفهم بالقراءة من جيل إلى جيل ولبناء قاعدة تراكمية من المفاهيم والعلوم المكتوبة في زمن محدد لتقرأ من الكثيرين وفي أزمنة مختلفة فاليوم نستطيع قراءة اللغة العربية بلسان امرئ القيس وفهمها وإن عفى عليه الزمن وكما تعلمون فإن اللغة العربية هي معجزة القرآن الذي نزل بها لأن الله حفظها من التغير في المعنى واللفظ، فنعم الوعاء لكتاب الله ونعم الوعاء لأفرع العلوم والآداب كافة، فهل نطلق مبادرة "اكتب لنقرأ" ونحدد لها مهرجانا سنويا لمعرفة مدى تقدمنا وزيادة طلاقتنا الفكرية عاما بعد عام وهل نتطلع إلى هيئة للكتابة والترجمة أسوة بهيئة السياحة.