المؤسسة .. الكائن الحي

سيقول لك علماء الاجتماع والإدارة: إن التجمعات البشرية سواء كانت دولا أو مؤسسات أو جمعيات، أو أي تجمع كان، إنما هي في الحقيقة: (كائن حي)!
(كائن حي) بمعنى أنها تولد، وتنمو، وتمر بالمراهقة، وتشيخ، وتمرض، وقد تموت. (كائن حي) بمعنى أنها تتغير وتتفاعل وتتشكل وتتطور. (كائن حي) بمعنى أن لها عقلا وروحا وجسما وأذرعا، كما أن لها طاقة وقوة ونقاط ضعف. (كائن حي) بمعنى أنها تحتاج إلى التربية والرعاية والتطبيب والرياضة والغذاء السليم!
في كتابهم العبقري: ''القيادة القبلية'' tribal leadership يناقش المؤلفون طبائع التجمعات البشرية والاختلافات بينها. إنهم يستخدمون في هذا الكتاب مصطلح (القبيلة) لوصف أي تجمع بشري يتكون من 20 إلى 150 شخصا يجتمعون لهدف مشترك ويعرف بعضهم بعضا. يصنف المؤلفون التجمعات البشرية (بعد دراسات علمية منهجية مكثفة استمرت عشر سنوات) إلى مستويات خمسة وهي:
المستوى الأول: يصف أعضاء هذه المؤسسة حياتهم بأنها سيئة وأنهم محبطون ومهمشون وأنه لا أمل في التحسن، وأن الدنيا كلها ظالمة، وأن الحياة لا تستحق التجربة، وبالتالي هم في الغالب متوترون قلقون ناقمون على المجتمع وعلى من حولهم. هم باختصار يقولون: (الحياة ظالمة وسيئة) ويتصرفون كأنه (لا أمل).
المستوى الثاني: يصف فيه الأشخاص حياتهم بأنها مأساة وأن الناس ضدهم وأنهم مضطهدون ومظلومون وأنه لا حيلة لهم، لكنهم يختلفون عن الصنف الأول في أنهم يرون في الحياة أملا لو تغيرت ظروفهم وتبدلت أحوالهم، هم يعلقون أملا على تغير خارجي يحدث في حياتهم يحولها للأفضل، لكنهم في الحقيقة لا يقومون بأي شيء عملي لتحسين أوضاعهم. هم باختصار يقولون: (حياتي أنا سيئة بسبب ظروفي ولو تغيرت ظروفي لتحسنت حياتي ربما).
المستوى الثالث: هم أناس فاعلون منتجون مبادرون، لكنهم يعملون لأنفسهم فقط، يقتنصون الفرص ويبحثون عن المكاسب الشخصية، حياتهم إنجاز وعمل ونشاط، لكنه كله موجه إلى ما يخدم مصالحهم، ومصالحهم فقط، وليس عندهم روح الفريق أو المجموعة، هم باختصار يقولون: (حياتي جميلة لكن نفسي نفسي).
المستوى الرابع: هم أناس فاعلون ومتميزون، لكنهم يعملون بعقلية الفريق والمصلحة المشتركة، هم يقدمون دوما مصلحة المؤسسة أو الفريق على مصالحهم الشخصية، من دون أن يهملوا أو يضحوا بحقوقهم، لكنهم يعتقدون أنهم يكسبون إن تقدم الفريق، وينجزون إذا حقق الفريق أهدافه، هم يقولون باختصار: ''حياتنا جميلة طالما أننا نعمل لهدف مشترك''.
المستوى الخامس: هم الذين يعملون بروح استثنائية لصناعة التاريخ، وصلت همتهم إلى ما هو أبعد من الفريق والمؤسسة، إنهم يعملون لتغيير مسار البشرية من خلال هذا الفريق. في هذه المؤسسات والتجمعات الأرواح متعلقة بهدف عظيم يستلهمهم ويحفزهم فوق مستوى المجموعة. هم باختصار يقولون: (نحن نصنع التاريخ).
ينبه الباحثون هنا أن تصنيف المؤسسة يكون من خلال أغلبية أعضائها، ففي كل فريق أو مؤسسة أشخاص ينتمون إلى هذه المستويات الخمسة كلها، لكن تصنيف المجموعة يكون بالمستوى الذي فيه أغلبية أعضائها. كما أن الأشخاص أنفسهم، وبالتالي المجموعة، قد تتذبذب بين هذه المستويات، بسبب عوامل داخلية وخارجية تؤثر فيها. لكن كيف نعرف في أي المستويات تلك الجماعة أو ذلك الفريق؟ فقط استمع إليهم ماذا يقولون عن أنفسهم وعن الفريق، وراقبهم كيف يتعاملون مع بعضهم، وستستطيع من خلال اللغة التي يستعملونها وطريقة تعاملهم بينهم تصنيفهم بسهولة.
إذن ما المهمة الأكبر والأهم لقائد الفريق أو المجموعة؟ إنها بلا شك أن يرقى بالفريق والمؤسسة إلى المستويات الأعلى وينمي فيهم وبهم روح الفريق الذي يعمل لهدف مشترك، فيحاول أن يكثر ويقرب الذين هم في المستويات الأعلى ويحاول أن يؤهل ويدرب ( وفي حالات كثيرة يستبعد) الذين هم في الدرجات الأقل.
بقي أن تسأل نفسك: كيف (صحة) مؤسستك؟ و(وش لون) فريقك، و(في أي مرحلة) مجموعتك، وقبل ذلك وبعده: في أي مرحلة أنت؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي