في ظل المنجزات يستشري الكسل

في ظل المنجزات يستشري الكسل

في ظل المنجزات يستشري الكسل

تؤتى أكل الإنجازات بالعمل الدؤؤب والمثابرة عليه ، والإصرار على تحقيق تلك المنجزات يتطلب دافع قوي وهذا ليس بالأمر اليسير على كل حال.

في ظل التغيرات والتحولات التقنية ، باتت أمورنا تسير بشكل أسرع مما كانت عليه في السابق، فمقارنة بالأمس كان رجالنا ينجزون أعظم المنجزات ويتوصلون إلى أفضل بل وأكفأ النتائج من خلال أدوات قليلة وربما غير متوفرة ، رغم ذلك لم يتوانوا لحظة لإنجاز ما يمكن إنجازه في سبيل أن يحظى الجميع بفوائد النتيجة المحصلة.. واليوم ومع توفر كل الأدوات لإنجاز الأمور بكفاءة وفاعلية في أيد الكثير منا ، إلا أن هناك عطل كبير لإنجازها .. وعند الاطلاع على أهم أسباب الكسل الذي نعيشه في ظل هذه التطورات الكبيرة نجد أن الرفاهية الزائدة عن الحد ، والوقت الفائض الذي سببه وجود تلك التقنيات هما سببان رئيسيان في إحداث الكسل، يأتي بعد ذلك الاعتماد على الغير حتى في الشؤون الخاصة والركون إلى الراحة معظم الوقت ..

ما يثير القلق هنا هو أن تلك الأسباب تمتد أضرارها إلى أكثر من جانب من جوانب حياة الفرد وربما تطال المجتمع، فالكسل الناشئ يلامس الصحة النفسية للفرد فيبدو واهن الهمة وضعيف الإرادة ومعدوم القرارات، كما أنه يتغافل عما لا ينبغي التغافل عنه فيهمل حقوقه وواجباته ويتخلى عن مسئولياته، مما يعني تعطيل مصالحه وأسرته ومجتمعه. فبالنتيجة نحصل على فرد سلبي ضعيف الشخصية فضلا عن تأخره عن باقي أفراد مجتمعه. والمزعج في الأمر، أنه أحيانا يؤثر سلبا على محيطه القريب فيثبط الآخرين من حوله ويسرق أحلامهم.

ومن المحتمل أن علاقته الروحية بخالقه ليست كافية أو كما ينبغى أن تكون ، فهو يؤخر أعماله الدينية من حين إلى حين أو ربما يلغي بعضا منها ويتجاهل البعض الآخر لأنه يعتقد الراحة والسكون. كما أن الصحة الجسدية له ليست بخير، إذ يعتري الكسول كثير من المشاكل الصحية لأنه نادرا ما يتحرك، فلا يقوم بأعماله على أكمل وجه وإن قام بعمل ما فإنه ينتظر المكافأة المجزية على ما قام به، فهو يعمل لأنه يقصد المال كنتيجة نهائية، لا العمل من أجل أن تكون لديه منجزات تحسب في رصيده..

هذا بالإضافة إلى أن رصيده الثقافي متهاو جدا، فبما أنه كسول ويلجأ بالعادة إلى مواطن الراحة فهو لا يستق معلوماته الثقافية من مصادرها ومنابعها الأصلية، بل يكتفي بالتقاطها جاهزة من خلال الاستماع لكلام الناس الموثوق منه والغير موثوق والاعتماد عليه كمعلومة ، لذلك تصطاده الإشاعات بسهولة بالغة.

يثني الكسل صاحبه عن القيام بمهماته الاجتماعية ، فهو لا يقوم بواجباته من عزاء وتلبية دعوة أو الاحتفال بالمناسبات المختلفة مع أصدقاءه أو ربما يعتقد أن استخدام الوسائل الحديثة تعفيه عن القيام بتلك الواجبات فيرسل رسالة نصية مثلا حتى تكون المدافعة عنه حينما يسأل ، وهذا ما يثير غضب أو تهميش الآخرين له وبذلك يكون بعيدا دائما و مبعدا أحيانا.

يقال ابتعد عن مواطن الراحة تنجز أكثر وهذا صحيح كليا ، وأضيف ليس بيدنا خيارات فإما الإنجاز للإعمار وإما الكسل والتخاذل التي مآلهما الدمار .. بيدنا صناعة الكسل كما بيدنا صناعة الرفعة والمجد من خلال العمل ، وهذا ليس بجديد فلو تأملت قول الله تعالى " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " لأدركت أهمية العمل ، فالمنجزات التي بين أيدينا الآن ما هي إلا ثمرات عمل دؤوب..

ينبغي ألا نكتفي بما توصلنا إليه وأن نعتبر أنها آخر المحطات ، بل علينا أن نعمل للأفضل ونتطلع لما بعد تلك المنجزات فحتما تختبئ ورائها الكثير ، وهذا لا يعطي فرصة للكسل والتخاذل

الأكثر قراءة