نحو تصحيح النظرة العالمية تجاه علاقة الخليج بالتغير المناخي

يشهد الأسبوع الحالي اجتماع آلاف الموفدين من جميع أنحاء العالم في العاصمة القطرية الدوحة ضمن أحدث جولة في مسيرة المفاوضات المتعلقة بالتصدي لتداعيات تغير المناخ، وذلك في إطار فعاليات المؤتمر الـ 18 للأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعقد فيها مؤتمر الأطراف في منطقة الشرق الأوسط، والثانية في دولة عربية بعد استضافة المغرب له في عام 2001. ويوفر انعقاد المؤتمر في منطقتنا فرصة كبيرة للمشاركة بفعالية في الحوار العالمي بشأن تغير المناخ، فضلا عن تسليط الضوء على الدور المتنامي لبلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية في هذا المضمار.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا المؤتمر يأتي في وقت يشهد توجيه بعض الانتقادات لإجراءات الاتفاقية الإطارية التي اتسمت بالبطء. وبعد النتائج المتواضعة لمؤتمر الأطراف في كوبنهاجن عام 2009، استغرق الأمر نحو عامين لحشد الجهود مجددا والعودة إلى مسار المفاوضات. ويشعر الكثيرون بعدم الرضا عن التقدم البطيء الذي يتم إحرازه، خاصة في وقت أخذنا نلمس فيه -وبصورة واضحة- التداعيات الخطيرة لتغير المناخ، وزيادة التوجه العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة.
ولكن رغم بطء إجراءات المفاوضات بشأن اتفاقيات تغير المناخ، إلا أنه سيكون من الخطأ إلغاؤها، فقد تم إحراز تقدم مهم على مدى السنوات الخمس الماضية. على سبيل المثال، تعهدت الدول المتقدمة بتخصيص مبلغ 100 مليار دولار سنويا لغاية عام 2020 لدعم انتشار تقنيات ومشاريع الطاقة المتجددة في البلدان النامية. وعلى صعيد المؤسسات الجديدة، تم إنشاء صندوق المناخ الأخضر، بهدف تعزيز الحوكمة العالمية لتمويل مشاريع الحد من تداعيات تغير المناخ. كما تم إنشاء ''لجنة التكيّف'' و''اللجنة التنفيذية للتكنولوجيا'' وسيتم هذا العام إنشاء ''مركز وشبكة لتكنولوجيا المناخ'' لمساعدة الدول في إيجاد وتبادل الحلول للتكيف مع تداعيات تغير المناخ، ولابتكار مسارات أكثر استدامة لتحقيق التنمية منخفضة الكربون. وفي العام الماضي، وافقت الدول خلال المؤتمر الـ 17 على فترة التزام ثانية لبروتوكول كيوتو، التي تعد أهم اتفاقية وضعت أهدافا للدول المتقدمة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب في ظاهرة تغير المناخ.
ويمكننا تحقيق المزيد من الخطوات في هذا العام، فقد نص بروتوكول كيوتو، من خلال آلية التنمية النظيفة، على خلق سوق عالمية للمشاريع منخفضة الكربون لغاية عام 2012. ويمكن أن يشهد مؤتمر الدوحة الاتفاق على فترة التزام ثانية لهذه السوق تستمر لغاية 2020، الأمر الذي سيشجع المستثمرين في هذا القطاع. وإلى جانب إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن فترة الالتزام الثانية من بروتوكول كيوتو والتوصل إلى خاتمة موفقة للمفاوضات التي أتاحت تحقيق التقدم على صعيد الحد من التداعيات والتكيف والحلول المالية والتكنولوجية، ستشهد الدوحة إطلاق مفاوضات جديدة تحت مسمى ''فريق منهاج ﺩﻳﺮباﻥ ADP'' لوضع اتفاق أكثر شمولية وطموحا حول تغير المناخ. وبدون شك، تعتبر هذه الخطوات على درجة كبيرة من الأهمية، فضلا عن أن تحقيق النجاح في الدوحة سينعكس إيجابا على المنطقة بأسرها.
وبالحديث عن منطقتنا، فإن عقد مؤتمر الأطراف في الدوحة سيسهم في تسليط الضوء على الجهود التي نبذلها في بلدان مجلس التعاون الخليجي على صعيد الطاقة وتغير المناخ. ولدينا هنا وجهة نظر نريد إيصالها للعالم، ففي الماضي كانت هناك نظرة مُجحفة إلى مجلس التعاون الخليجي على أنه لاعب متردد أو معيق في بعض الأحيان للسياسات المتعلقة بالتصدي لتغير المناخ. إلا أن هذه النظرة قد تغيرت في الأعوام القليلة الأخيرة، وذلك مع قيام دول المجلس باتخاذ إجراءات وخطوات عملية متعلقة بتنفيذ مشاريع عالمية المستوى في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة.
وتقدم دولة الإمارات مثالا جيدا لهذه الجهود، حيث تم في عام 2006 تأسيس ''مصدر'' كمبادرة استراتيجية متعددة الأوجه في مجال قطاع الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وذلك وفق منظومة متكاملة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة، بحيث تشمل، إلى جانب الطاقة التقليدية، كلا من الطاقة النووية والطاقة المتجددة. وباشرت ''مصدر'' ببناء رأس المال البشري المتخصص في هذا القطاع الجديد من خلال معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى الاستثمار في التقنيات النظيفة وتنفيذ المشاريع محليا وعالميا بما يسهم في تعزيز انتشار حلول الطاقة المتجددة.
وهناك نماذج مشابهة لهذه الجهود في بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث تعمل دولة قطر على تطوير وتطبيق معايير لكفاءة الأبنية، إلى جانب تأسيسها مجمع اختبارات عالمي المستوى في واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر. كما قامت المملكة العربية السعودية بوضع أهداف طموحة للطاقة المتجددة تهدف إلى إنتاج 40 ألف ميجاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2032، إلى جانب تحديد أهداف في مجال الطاقة النووية.
وتندرج هذه المبادرات في إطار نهج مُفاده أن السعي إلى تطوير القدرات في مجال الطاقة النظيفة لا يأتي كبديل عن صناعاتنا الهيدروكربونية التقليدية، وإنما كداعم أساسي لدورنا كدول مُصدّرة للطاقة. وعلاوة على ذلك، تقوم منطقتنا بدور مركزي متنامي الأهمية في دعم التعاون الدولي في مجال الطاقة النظيفة والتصدي لتداعيات تغير المناخ.
وسيسهم عقد المؤتمر الـ 18 للأطراف في الدوحة بتقديم صورة واضحة للعالم حول الدور المتنامي الذي تقوم به منطقتنا في مجال الطاقة المتجددة والتصدي لتداعيات تغير المناخ. كما أن تحقيق نتائج إيجابية خلال المؤتمر سيوفر آليات جديدة قادرة على تعزيز أجندتنا في مجال الطاقة النظيفة.
وفي ضوء المشاريع والمبادرات والأنشطة والفعاليات التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي المتعلقة بالطاقة المتجددة والتصدي لتداعيات تغير المناخ، يأتي انعقاد المؤتمر الـ 18 للأطراف في وقت موات لتعزيز هذه الجهود، ويجب علينا أن نقدم دعمنا الكامل إلى دولة قطر الشقيقة، ومضاعفة الجهود للاستفادة من هذه الفرصة وإظهار ريادتنا في واحد من أكثر المواضيع أهمية في عصرنا الراهن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي