محور أمريكا المحفوف بالمخاطر
منطقة الباسفيك أم الشرق الأوسط؟ بالنسبة للولايات المتحدة هذا هو السؤال الاستراتيجي الرئيس. لقد جاء العنف في غزة بينما كان الرئيس باراك أوباما يجتمع بالقادة الآسيويين في فنوم بنه، مما عكس معضلة أمريكا، فبدلا من التركيز على محور أمريكا في السياسة الخارجية في آسيا، اضطر أوباما لتخصيص ساعات في محادثات مع قادة مصر وإسرائيل وإرسال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من آسيا من أجل التوسط في التوصل الى وقف لإطلاق النار في غزة.
إن واحدة من نقاط التركيز الجيوسياسية التي تتطلب اهتمام أمريكا تمثل المستقبل والأخرى تمثل الماضي وبينما لعبت آسيا دورا مهما في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تخللتها إشارات ساخنة تتعلق بصعود الصين، فإن منطقة الشرق الأوسط جعلت أمريكا غائصة في أوحالها لعقود من الزمن، فإضافة إلى الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الأبدي، فإن عدم استقرار العراق والربيع العربي والحرب الأهلية في سورية والمواجهة النووية مع إيران هي أمور تتطلب اهتمام أمريكا.
إن الثورة الحاصلة في الهيدروكربونات غير التقليدية وخاصة النفط والغاز المستخلص من الصخر الزيتي ستجعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط بحلول سنة 2020 - حسب التوقعات الأخيرة لوكالة الطاقة الدولية، وأكبر منتج للطاقة بشكل عام بحلول سنة 2030 - وهذا سوف تكون له تداعيات عالمية. بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن الاكتفاء الذاتي هو المبرر المثالي لانسحاب مرحلي من الشرق الأوسط، فعندما تتحرر أمريكا من الاعتماد على الطاقة سيصبح بإمكانها التركيز على منطقة الباسفيك.
بالرغم من أن المحافظة على أسعار الطاقة الدولية مستقرة وتحالفها مع إسرائيل يعني أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تنأى بنفسها بشكل كامل عن مشاكل الشرق الأوسط، فإن التحول في التركيز باتجاه آسيا بدأ مبكرا في إدارة أوباما الأولى حين أعلنت كلنتون إعادة التوجه الاستراتيجي لأمريكا حتى قبل أن تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب من العراق، وبعد إعادة انتخابه كانت أول زيارة خارجية لأوباما لماينمار وتايلاند وكمبوديا، وهو خيار لا يمكن أن يكون قد أسعد الصين فتلك الدول الثلاث هي أعضاء في الآسيان، علما بأن ماينمار حتى بداية تحولها الديمقراطي كانت من أوثق حلفاء الصين.
إن آسيا بالطبع تشهد نموا اقتصاديا سريعا ولكن إدارة التوترات الإقليمية القوية في المنطقة يتطلب إنشاء هياكل أمنية إقليمية مع اندماج اقتصادي أوثق. لقد أشار كل من الباحث الأمريكي كينيث ليبرثال، ووانج جيسي عميد الدراسات الدولية في جامعة بيجين، إلى زيادة في التعقيدات في بحث نشر أخيرا لمصلحة مؤسسة بروكنجز بعنوان "انعدام الثقة الاستراتيجي".
إن محاولة زرع الثقة الاستراتيجية بين القوى الكبرى في القرن الواحد والعشرين سيكون أساسيا من أجل أن يعمل النظام الدولي بشكل متجانس ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ وبينما ستستورد الصين ثلاثة أرباع نفطها من الشرق الأوسط بحلول سنة 2020 فإن إحدى الخطوات للأمام ستكون تعاون الصين في إيجاد حلول لمشاكل المنطقة.
يبدو أن القادة الإيرانيين يعتقدون أن أمريكا، التي تكبدت خسائر بشرية واقتصادية كبيرة خلال أكثر من عقد من الحروب تفضل تجنب أي تدخل عسكري آخر، ويبدو أن الرأي العام الأمريكي يؤكد ذلك، فلقد أشار مسح أجراه أخيرا مجلس شيكاغو للشؤون الدولية أن 67 في المائة من الأمريكان يعتقدون أن الحرب في العراق لم تكن ذات شأن، كما لا يعتقد 69 في المائة أن أمريكا أصحبت أكثر أمنا من الإرهاب بسبب الحرب في أفغانستان، و71 في المائة يقولون إن تجربة العراق تظهر أن أمريكا يجب أن تكون أكثر حذرا في كيفية استخدام القوة.
لكن لو بدا أنه من غير المرجح أن يستثمر الأمريكان بلايين الدولارت في مغامرة خارجية ذات طريق مسدود، فإن قادة إيران أصبحوا محاصرين بشكل متزايد، وذلك بسبب العقوبات الدولية التي بدأت بتدمير اقتصاد البلاد. إن من الممكن أن يعتقد كلا الطرفين أن أفضل حل لهما - على الأقل في الفترة الحالية - هو التفاوض.
إن التسوية السلمية للمسألة الإيرانية ستساعد أمريكا على إكمال تحولها باتجاه آسيا. إن من الممكن أن الصين لا ترغب في مثل هذه النتيجة ولكن مصلحتها الحيوية في أمن موارد الطاقة في الشرق الأوسط ستجبرها على التعاون، فصراع آخر في الشرق الأوسط سيسمم العلاقات في الشرق الأوسط ويشوهها لعقود وهذا سيشكل أسوأ العواقب الممكنة - لأمريكا والصين على حد سواء.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012