تواضع العلماء

تواضع العلماء

تواضع العلماء

في صباح يوم جميل، كنت أقود السيارة واستمع لراديو BBC 4 حيث تتميز هذه الإذاعة بالطرح الجاد في بريطانيا.
وكان البرنامج استضافة لأحد العلماء، وهو برفسور متقاعد من جامعة كامبردج. عندما قدمه المذيع، قال بأن تخصصه هو تأثير العقاقير على العقل البشري، وقد درسها لأكثر من ثلاثين عاماً. وأضاف بأنه عندما يثار أي سؤال عن هذا العلم فمن المؤكد سيجدون الإجابة لدى هذا المتقاعد، والذي يعمل كمتطوع حالياً في جامعة كامبردج.
لكن المفاجئ هو عندما تحدث هذا البرفسور المتواضع وقال ما نصه "بعد دارستي لهذا العلم لعقود، ومازلت مستمراً في العمل فيه، إلا أننا لم نصل لمرحلة طرح السؤال الصحيح، لكي نتمكن من الإجابة عليه".

في تلك اللحظة، أوقفت سيارتي وأنصت وتأملت حالنا. هذا الباحث الطاعن في السن، بعدما أفنى معظم حياته في هذا العلم، ما زال يقول بأننا ما زلنا بعيدين جداً عن طرح السؤال الصحيح فضلاً عن الإجابة عليه. وليس كما يظهر من كثير من أنصاف المتعلمين لدينا ممن يدعون الإحاطة بالعلم في كل فن، ولسان حالهم يقول: “ اطرح ما لديك من الأسئلة، ومالديك من الإشكالات ولن أحيلك إلى غيري، فقد بلغت الغاية من كل علم، ولم أترك من مسائل العلم شيئاً الإ وقد بحثته وقد وقفت على أدق ما قيل فيه" وليس أعجب من ذلك إلا ممن يتصدر في كل مجلس ويجدف بالحديث فيما يفقه وفيما لا يفقه، حتى يصم الآذان مما يقدم من غثاء، ومن قصص مبتذلة، ومن أخبار مكذوبة. وقد يجد من يستضيفه، ومن يصفق له، ومن يشجعه ويقول له: بأنه هو الحَبر وهو العالم الذي أتقن كل فن.

فاصلة: وقفت على كتاب صغير في يوم من الأيام وقد قدم الناشر للكتاب لمؤلفه بسبعة ألقاب متتالية، تدل على عظيم علم وإحاطة، وعندما نظرت في محتوى الكتاب لم أجد به ما يستحق الورق الذي طبع عليه.

أعود لقصة البرفسور الذي عندما قال ما قال، تذكرت قوله تعالى ‫(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً). وكذلك لقد أكد لي ما قاله العلماء سابقاً: كل ما زاد علم الانسان، اكتشف مقدار ما يجهله. فهلا بذلنا الوسع في طلب العلم وتعليمه، وهلا تواضع من كان لديه علم ليقبل عليه الناس وعلى علمه. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا.

الأكثر قراءة