مدرسة البنات تحترق في أبها 3 مرات

لا تخافي يا ابنتي لن تحترق المدرسة اليوم كما احترقت في العام الماضي، هكذا وفي كل صباح كانت الأم الحريصة تغالب ابنتها لحضور يوم دراسي جديد، فلقد أصبح هذا الحوار قضية كل يوم، وبينما تهدئ الأم من روع الفتاة الصغيرة كانت الطفلة ببراءة صادقة تقول دائما لقد احترقت المدرسة وجاء الدفاع المدني والشرطة والرجال وأخرجونا منها وأخاف اليوم أن تحترق مرة أخرى. تعاود الأم الإلحاح وتؤكد ألا شيء يحترق مرتين، ولقد كانت حادثة وجاء الدفاع المدني وأطفأ الحريق وعالج المشكلة، لذا لن يتكرر مرة أخرى. ونسيت الأم أن تقول إن شاء الله. تذهب الفتاة تبكي إلى مبنى المدرسة المستأجر، ورغم تشجيع الأم اليومي وتطميناتها لكنها تخفي عن ابنتها خوفا حقيقيا وتمني نفسها ألا يتكرر الحريق وألا يحدث مكروه.
ذهبت الفتاة إلى المدرسة الثلاثون الابتدائية في أبها وبدأت الأمور كعادتها، لكن خوفا من شيء مجهول ملأ المكان، خاصة أن آثار حريق العام الماضي ما زالت هناك. لم يخب ظن الفتاة فما هي إلا سويعات ويبدأ الصراخ والرعب والهروب فلقد احترقت المدرسة مرة أخرى، لم يكن كحريق العام الماضي، فلقد انحصر هذه المرة في أحد المكيفات واضطرت مديرة المدرسة تحت رعب الطالبات والمعلمات إلى إخلاء المدرسة. كل شيء يبدو طبيعيا، وقد يحدث فعلا لكن وبعد أقل من 24 ساعة من حريق المكيف وفي أثناء اليوم الدراسي شب حريق جديد في عدد من المكاتب الإدارية، وهذه المرة وكالعادة تم إخلاء المدرسة وحضر أفراد الدفاع المدني وهم يهرعون، وحالهم يقول: "ما خطبكم ومما ترتعبون؟" ألم نكن هنا العام الماضي، فما الجديد؟ ومن أين تأتي هذه النار؟ ومن يسعرها عليكم؟ وهكذا وفي ضحى اليوم الدراسي عادت البنت المرعوبة إلى البيت ومع عودتها انهارت دموع الأم، التي طالما غالبتها كل صباح وأقسمت لابنتها ألا تعود إلى هذه المدرسة التي تحترق كل يوم، تقول ذلك والفتاة الصغيرة تنظر إلى أمها بعتاب ما بعده عتاب وهي التي أصرت على أن تذهب إلى الحريق مرة أخرى، وبدا الموقف كأن حال البنت الصغيرة يقول لو أن هناك من يحبني ويخاف على مستقبلي لما أرسلني إلى هذا الحريق والرعب ثلاث مرات.
ثلاث مرات يا وزارة التربية والتعليم والمدرسة تحترق في مبنى مستأجر وكان ذلك الإثنين الماضي، ثلاث مرات في كل مرة رعب وخوف ودفاع مدني ورجال وشرطة وتحقيق، ثلاث مرات ولم تزل المدرسة في مكانها في مبناها أسيرة وكأنها تنتظر الحريق الرابع. ثلاث مرات وتأخذنا معها الدهشة إذا علمنا أن مديرة المدرسة قد اشتكت كثيرا واستدعت إدارة التعليم في المنطقة وطالبت بحل المشاكل واستدعت الأهالي وأنذرت أنه إذا استمرت الحال على هذا فإن المدرسة معرضة لخطر كبير، فهل كان هناك من مدكر؟ وهل كانت آذان إدارة التربية والتعليم في المنطقة مصغية لحالها والخطر المحدق بالبنات ورعب الأسر الدائم منه؟ مع الأسف، فكل ما حصلت عليه مديرة المدرسة هو توجيهات عامة بأخذ الحيطة والحذر وأن الموضوع الآن مرفوع، لكنه كما بعض الأحاديث الضعيفة المرفوعة نستشهد بها للاستحسان ولم تتصل.
رضينا بهذا الهم الذي لم يرضَ بنا، وقلنا لا حول ولا قوة إلا بالله احترقت المدرسة وهذا قضاء الله وقدره، لكن كيف احترقت المدرسة مرة أخرى، كيف لم يعالج الموضوع من قبل الدفاع المدني؟ وكيف سمح الدفاع المدني بعودة الأطفال إلى المدرسة مع حجم الخطر الماثل أمامه؟ كيف قبل الدفاع المدني بمدرسة لها كل هذه الخطورة وهو الذي لا يسمح بفتح بقالة إلا بشروط قاسية؟ كيف فشل الدفاع المدني في إيقاف التدريس في هذه المدرسة وهو يعرف حجم المخاطر التي فيها وقد عاينها ووقف على أسبابها؟ فإذا كان الدفاع المدني يعلم بحجم المخاطر ثم سمح بعودة الطالبات فتلك مصيبة، وإذا كان لا يعلم وهو الذي وقف على الحريق السابق وعاينه فتلك مصيبة أكبر. وللحق ما نعرف من أين أتتنا ريح الفساد والإهمال، من مالك المبنى المتهالك أو من الوزارة أو من الدفاع المدني؟ ولا نعرف أي باب علينا أن نغلقه. فإذا كانت المشكلة من الدفاع المدني أو من الوزارة فما احتمالات تكرارها في بقية المدارس، خاصة تلك التي تعرضت لحريق سابق، والمصيبة تلك التي لم تتعرض لحريق ولم يعاينها الدفاع المدني بعد. لقد سلم الله هذه المرة ولم تحدث كارثة في الأرواح، لكن هل سننتظر حلا أو حريقا رابعا؟ لذلك علمه عند الله لأنني أعتقد أنه ليس لدى وزارة التربية والتعليم أو الدفاع المدني إجابات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي