وفرة العرض تفشل في كبح جماح الأسعار
لقد استقرت العقود الآجلة للنفط الخام عند مستويات جيدة نسبيا في أيلول (سبتمبر)، على الرغم من أن الأسواق متخمة بالإمدادات. استقر مزيج برنت في أسواق التبادل في أوروبا عند نحو 115 دولارا للبرميل، في حين بلغ متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط نايمكس 92 دولارا للبرميل. إن التوقعات الحالية تشير إلى احتمالية وجود فائض كبير نسبيا في الإمدادات في الربع الرابع من هذا العام وما بعده، ما يشكل تهديدا كبيرا لأسعار النفط. لكن التشدد في أسواق المنتجات النفطية والمشاكل الجيوسياسية، في الوقت الحاضر التوتر بين تركيا وسورية، دعمت أسعار النفط، مع ذلك المؤشرات الحالية تشير إلى ضغوط تنازلية على الأسعار ما لم يحدث خلل خطير على جانب الإمدادات.
أسعار النفط لا تحددها فقط أساسيات السوق التقليدية من عرض وطلب. أسواق المال تلعب دورا في هذا الجانب أيضا، بعد سلسلة الارتفاعات التي شهدتها أسواق المال منذ حزيران (يونيو) هدأت في أيلول (سبتمبر)، حيث إن ضعف نمو الاقتصاد الصيني والأخبار السلبية القادمة من أوروبا تلقي بظلالها على القطاع المالي بأكمله. نظرا لزيادة حركة المضاربين وارتفاع التداول في أسواق النفط منذ بداية الصيف، فإن عملية تصحيح الأسعار يمكن أن تكون حادة نسبيا إذا ما حدثت عمليات البيع بشكل جماعي.
لقد عادت أسواق النفط إلى وفرة الإمدادات في أيلول (سبتمبر)، بعد تشدد بسيط في آب (أغسطس)، حيث إن النمو في الإمدادات العالمية تفوق من جديد على نمو الطلب العالمي على النفط. حيث تشير التقديرات الحالية إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط في أيلول (سبتمبر) بنحو 0.9 مليون برميل في اليوم مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي (على أساس سنوي) ليصل إلى 90.3 مليون برميل في اليوم، في حين ارتفع المعروض العالمي بنحو 2.3 مليون برميل في اليوم ليصل إلى 91.4 مليون برميل في اليوم. لكن مقارنة بالشهر الماضي (على أساس شهري) انخفض استهلاك النفط في شهر أيلول (سبتمبر) بنحو مليون برميل في اليوم نتيجة انخفاض الطلب الموسمي، في حين شهد المعروض العالمي ارتفاعا متواضعا يقدر بنحو 250 ألف برميل في اليوم.
لقد شهدت المخزونات العالمية للنفط الخام والمنتجات ارتفاعا في أيلول (سبتمبر)، حيث إن الارتفاع الذي شهدته مخزونات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD والمقدر بنحو 0.8 مليون برميل في اليوم (نحو 23 مليونا في الشهر) عوض أكثر من الانخفاض الذي شهدته مخزونات الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية non-OECD بما فيها المخزون البحري، مع ذلك لا يزال هناك عدم تطابق واضح بين مخزونات النفط الخام والمنتجات. إن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة وأوروبا أعلى من مستويات العام الماضي، حيث ارتفع خزين الولايات المتحدة بصورة خاصة بشكل حاد، في حين شهدت مخزونات النفط للدول الآسيوية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عجزا متواضعا مقارنة بالعام الماضي.
لقد استوعبت الصين في هذا العام جزءا كبيرا من الفائض في الإمدادات، حيث عمدت إلى ملء خزاناتها الاستراتيجية الجديدة. لكن في الوقت الحاضر هناك دلائل متزايدة على أن ملء الاحتياطي الاستراتيجي الصيني بدأ يتباطأ بشكل ملحوظ. إذا ما بدأت الصين بالفعل خفض وتيرة ملء خزاناتها الاستراتيجية، فإن هذا سيزيل أحد المصادر الرئيسة لاستيعاب إمدادات النفط المتزايدة، وربما يضع ضغوطا تنازلية على الأسعار.
ظل الطلب العالمي على النفط قويا إلى حد ما في أيلول (سبتمبر)، وللربع الثالث ككل، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط وتباطؤ نمو الاقتصادات العالمية والاقتصاد الصيني. لقد ارتفع الطلب العالمي على النفط بنحو 0.9 مليون برميل في اليوم أو نحو 1.0 في المائة على أساس سنوي، ليصل إلى 90.3 مليون برميل في اليوم في أيلول (سبتمبر)، بعد أن ارتفع بنسبة 1.2 في المائة في آب (أغسطس) و1.7 في المائة في تموز (يوليو).
لقد انخفض الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بنسبة 0.4 في المائة إلى 46.6 مليون برميل في اليوم في أيلول (سبتمبر)، هذا هو أول انخفاض له في ثلاثة أشهر، في حين ارتفع الطلب في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية non-OECD بنسبة 2.5 في المائة إلى 43.7 مليون برميل في اليوم.
تحولت توقعات أسواق النفط إلى الإيجابية مع الأخبار الجيدة القادمة من أوروبا والولايات المتحدة - على وجه الخصوص، الإعلان الجديد الصادر عن البنك المركزي الأوروبي عن برنامج شراء السندات وإعلان مجلس الاحتياطي الاتحادي عن جولة ثالثة من التخفيف الكمي. يبدو أن الاقتصاد العالمي قد بدأ بالانتعاش في الربع الثالث، على الرغم من أن العديد من المخاطر لا تزال قائمة.
على الرغم من كون الصين المحور الرئيس لنمو الطلب على مدى العقد الماضي، إلا أن أداءها ظل مخيبا للآمال في الأشهر الأخيرة. لقد ارتفع استهلاك النفط في الصين بنحو 150 ألف برميل في اليوم أو 1.6 في المائة على أساس سنوي إلى نحو 9.3 مليون برميل في اليوم في الربع الثالث، مقابل نسبة نمو 6.2 في المائة في عام 2011 و13.4 في المائة في عام 2010. على الرغم من أن استهلاك النفط في اليابان كان الداعم الرئيس للطلب العالمي على النفط في هذا العام، إلا أن نمو الطلب فيها بدأ يظهر عليه علامات التباطؤ في الآونة الأخيرة، بعد أن بدأ تأثير فوكوشيما بالتبدد.
الإمدادات النفطية من خارج منظمة أوبك عادت إلى الارتفاع، حيث شهد أيلول (سبتمبر) ارتفاع الإنتاج بنحو 600 ألف برميل في اليوم مقارنة بالشهر الذي سبقه، بعد انتهاء أعمال الصيانة الاعتيادية في بحر الشمال، ألاسكا وكازاخستان. لكن جزءا كبيرا من هذا الارتفاع عوض عن الانخفاض في إنتاج النفط الخام من دول ''أوبك''، حيث انخفض إنتاج المنظمة في أيلول (سبتمبر) بنحو 350 ألف برميل في اليوم، معظمها بسبب تفاوت شحنات التحميل في أنغولا بين شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر). نتيجة لذلك انخفض إنتاج أنغولا في أيلول (سبتمبر) بنحو 260 ألف برميل في اليوم بعد أن ارتفع بنحو 240 ألف برميل في اليوم في الشهر الذي سبقه. نيجيريا شهدت بالمثل انخفاضا بنحو 150 ألف برميل في اليوم. لكن هذه الانخفاضات تعتبر وقتية.
يعزى أكثر من نصف الارتفاع في الإمدادات من خارج منظمة أوبك إلى كازاخستان على خلفية عودة حقل تنجيز Tengiz العملاق إلى الإنتاج بعد انتهاء أعمال الصيانة. إن المكاسب التي حققتها الإمدادات من خارج منظمة أوبك في أيلول (سبتمبر) تمهد الطريق إلى مكاسب كبيرة في الإنتاج في الربع الرابع، الذي تقوده إمدادات النفط الخفيف الأمريكي من طبقات الرمال المحكمة Tight Oil من حوض النسر فورد في ولاية تكساس وحوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية. من المتوقع أيضا أن يساعد انتعاش الإمدادات من ألاسكا وزيادة إنتاج سوائل الغاز الطبيعي من مناطق مختلفة من ترسبات السجيل على دعم إنتاج الولايات المتحدة. في الربع الرابع من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأمريكي بنحو 600 ألف برميل في اليوم، إضافة إلى 150 ألف برميل في اليوم من كندا، 350 ألف برميل في اليوم من بحر الشمال ومثلها من دول الاتحاد السوفياتي السابق.