نحنُ .. و النظام النقدي العالمي

نحنُ .. و النظام النقدي العالمي

نحنُ .. و النظام النقدي العالمي

إن النظر إلى أي قضية مالية لا يمكن أن يتم بالنظر إلى مصلحة الفرد الواحد أو المنشاة الوحيدة في المجتمع بل يتم من خلال التفكير من وجهة نظر الاقتصاد الكلي , أي أثر هذه العملية المالية على الاقتصاد الكلي فالأصل هو إيقاف التعاملات المالية الصفرية التي تؤدي إلى ضرر جهة و إفادة جهة أخرى فمقابل الفائدة لشخص هناك مضرة لآخر .

هذا ما يحدث تماما عند النظر إلى النظام النقدي العالمي , الذي بني على وهم أصلا , و ذلك من خلال القروض , فنحن نعلم أن كل دولار يقرض يجب أن يعود للمصرف مع فائدته , و هذا الدولار أتى أصلا من المصرف مدير الإصدار و هو المصرف المركزي و وزّعه على المصارف لإقراضه , و بالتالي من أين نأتي بكمية نقد لإعادة القروض , في الوقت الذي من يصدر النقد و يوزّعه هو المتحكم بالكمية ثم يطلب منك الفائدة .

و لنفرض أنني أمثل المصرف المركزي , و أنا أحتكر إصدار النقد , فأعطيك 7 قطع نقدية على سبيل المثال و أطالبك بثمانية , فمن أين تأتي هذه القطعة الإضافية ؟ . إنها لا تأتي من أي مكان , و هي التي تمثل وهما , فأعود لأطبع لك قطعة جديدة و أعود و أقرضها لك و هكذا , و إذا ما أردنا جمع الديون مع فوائدها كاملة في المجتمع سوف نلاحظ أنّ كمية النقود المطلوبة أكبر من الموجودة في التداول .

ليصبح الأفراد عبيدا لديونهم و بالتالي نتسابق فيما بيننا ليس لخلق قيمة مضافة بل للحصول على أكبر كمية نقود لتسديد التزاماتنا , و بالتالي من يحصل على أكبر كمية يصبح غني و الذي يحصل على كمية قليلة يصبح فقير .

و لنأتي على ما ذكره كتاب " ميكانيك النقدية الحديثة " حول القروض : " ما يفعلونه عند تقديم القروض , هو قبول سندات إذنية في مقابل الإئتمانات..الاحتياطيات لا تتغير بمعاملات القروض و لكن الإئتمانات المودعة تشكل إضافة إلى إجمالي الودائع من النظام المصرفي" و بعبارة أخرى , فإن المال لا يشتق من الأصول القائمة و لكن البنك ببساطة يخترعها , دون أن يضيف عليها شيئا إلا المسؤولية النظرية على الورق .

و إذا ما نظرنا في تاريخ أكبر الاقتصاديات العالمية و هو الاقتصاد الأمريكي , " فإن آخر مرة في التاريخ الأمريكي تم سداد الدين الوطني تماما كان في عام 1835 , بعد أن أغلق الرئيس اندرو جاكسون البنك المركزي الذي كان طليعة للمجلس الاحتياطي الفيدرالي , في الواقع كانت خطة جاكسون السياسية تدور برمتها حول التزامه بإغلاق البنك المركزي ذاكرا نقطة واحدة : إنّ الجهود الحثيثة التي بذلتها البنوك للتحكم بالحكومة هي ليست إلا نذرا يسيرا مما ينتظر الشعب الأمريكي إذ جروا وراء أوهام لهذه المؤسسة أو أي مؤسسة مثيلة .
وللأسف لم تدم هذه الرسالة طويلا و نجح البنكيّون الدوليّون بإنشاء مصرف مركزي آخر في عام 1913 ".

إن حل هذه المشكلة اليوم لا يأتي بإغلاق البنوك المركزية كونها تقوم بوظائف أخرى غير التحكم بإصدار النقد , و لكن يأتي الحل بجعل العمل التجاري ذو قيمة تبادلية , أي لا تستطيع أن تقدم شيء قبل أن تملكه و تتحمل تبعات الملكية , أما المال الذي أقرضه لكل البنك لم يكن ملكه أصلا .

إن الحل يأتي من زيادة الإنتاج الحقيقي و استغلال الموارد الذي يأتي من زيادة الاستثمار , الذي يحتاج أصلا إلى وسيط يلقى قبولا عاما لدى الجمهور و ليكن نقدا يصدره المركزي بشكل متوافق مع حجم الاقتصاد و سرعة دوران القيمة , و يكون طرف حيادي يدرس حاجة الاقتصاد منها , و لا يعتبرها كما تأتي بالتعريف في أغلب كتب الاقتصاد أنها : سلعة لها سعر و هو سعر الفائدة المترتب عليها , و حيث ما كان الاستثمار كان المضي نحو التوظيف الكامل لعوامل الإنتاج ضمن دورة اقتصادية سليمة خالية من وهم النقود و هي معادلة أهم طرف بها هو الإنسان .

هذا الإنسان الذي من غير المعقول أن يعيش في وهم مالي وضعه به النظام النقدي العالمي ضمن دوامة لا بداية لها و لانهاية ليجد نفسه يقدّم عملا في سنة ما قيمته 100 وحدة نقدية , و يقدم العمل نفسه بعد 20 سنة مقابل 1000 قطعة نقدية وهي لا تساوي الـ100 وحدة التي تقاضها أول مرّة , ليكون ضحية نظام مالي يبخس له حقّه و يخفّض له التقييم المادي لعمله عام بعد عام . مبررين ذلك بكلمة واحدة , التضخّم . أو كما يقول آباؤنا " هذه الأيام لا بركة فيها و كنت أشتري بالفرنك المثقوب كذا و كذا و كذا ...."

الأكثر قراءة