العيد و«تويتر».. كشف المستور

كتبت قبل عام عن العيد بعنوان ''عيد بأية حال عدت''. ظننت يومها أنه لن يأتي أسوأ من ذلك العيد في مآسيه وهزائمه. ظننت أن عالمنا سيتخلص من مظاهر الظلم التي سادت آنذاك، لكنني اكتشفت أنه مهما بلغ ظلام اليوم، لا تستبعد أن يكون الغد أكثر ظلاماً.
نعم نفتقد اليوم بعض ما كنا نحظى به من التوازن الفكري والثقافي الاجتماعي. خسرنا خلال العام أعداداً تفوق الـ100 ألف من أبناء الإسلام نتيجة الحروب والثورات والتعامل القسري والقهري لدول مع رغبات الشعوب في الحرية السياسية والدينية، فجاء بعده عيد بمآسي جديدة وتهم ظالمة.
ليبيا وسورية الجرحان الأكبران خلال العام، أنظمة تقاتل لتبقى ولو على جثث جميع المواطنين، لا أفهم كيف يتقبل أي إنسان في العالم أن يحكم شعباً يكرهه؟ كيف يتقبل شخص أن يكون حبيس قصره وموكبه؟ ويفقد ثقته في كل المواطنين، بل حتى في أقرب الناس إليه؟ ويريد مع ذلك أن يحكم. ضحايا اليمن ومصر والبحرين كان عددهم أقل، ولكن كل قطرة دم وكل روح بشرية لها قيمتها وأهميتها.
إقليم أراكان في اتحاد جمهوريات ميانمار، عاد ليذكرنا كم نحن ضعفاء ومشتتون وبعيدون عن أولئك القادة العظام الذين باعوا أموالهم وأنفسهم لإيصال الإسلام إلى تلك الديار، وتجاوزوها إلى بلاد الصين. حملوا راية الإسلام، ليأتي خلال سنين قليلة أكبر علماء الأمة كالبخاري ومسلم والنيسابوري والترمذي من تلك البلاد.
يقتل إخواننا وأخواتنا في الدين حرقاً وشوياً وتهجيراً. القتلى لا يحصون والمهجرون بالآلاف، والمسلمون لا يستطيعون أن يفرضوا حصاراً اقتصادياً أو عقوبات تعيد لأبناء ديننا كرامتهم ومنازلهم وحياتهم البسيطة التي لا تتجاوز الكفاف. بل إن الأدهى من ذلك أننا لم نتمكن من إيصال التبرعات لهم. فما أهوننا على الناس!
تبنى مجتمعنا تهمة ''الطائفية''، كل واحد يتهم كل من حوله بها، ويرى نفسه نقياً من كل غل. استغل الجميع هذه العبارة وابتذلوها حتى أضحت كالوباء الذي يتهرب منه الجميع. نسي الجميع أنهم نتاج مجتمع يعاني مشكلة طائفية في أسسه. فالقبيلة والمذهب والمنطقة، بل وتاريخ الأسرة ومهنتها قبل 60 سنة تبني عليها فئات المجتمع صورة نمطية وتركيبة شبكية تجعل تضامن الجميع حول مبدأ أو قيمة أو مفهوم أمراً صعب التحقيق. يدعم هذا التعنصر والتحزب سلوكيات أشخاص يرى فيهم المجتمع قدوات ومراجع كالمسؤولين ورجال الأعمال وحتى بعض الرجال المحسوبين على الدين.
فضح ''تويتر'' ما بقي مستوراً من أنباء المجتمع وتغيراته وأسلوب تعايش أفراده. ظهرت شخصيات عجيبة غريبة، أقسم بالله أنني لم أكن أظنها موجودة، فمن الأستاذ الجامعي الذي ما زال يظن أن هناك علاقة بين الجنة والجغرافيا، إلى ابنة قبيلة ترى أن الوطن بكل مكوناته لا يعدو أن يكون حالة من التخلف والتشرذم، وأنه لا يستحق انتماءها إلى عالم ''دين'' وناشط اجتماعي يطالب بلي أعناق النصوص لتحرير رجل من منطقته دون محاكمة أو عقاب.
خلافات ''تويتر'' وأسلوب الناس فيه، أوجدت دفعاً مقيتاً باتجاه الإصرار على صحة الرأي، بغض النظر عن أثر ذلك على العقيدة والوطنية والأخلاق القويمة. يأتي من يعتقد أنه يتحدث مع نفسه في غرفة مغلقة، فيطلق لحروفه العنان ويتهم بنات بلده بتهم باطلة دنيئة. يتكلم عنهن وكأنه غريب لا زوجة له ولا أخت ولا ابنة ولا قريبة. يتحدث وهو لا يحترم حتى اسم عائلته الذي يحترمه الكثير. فياليته لم يكتب ويا ليتني لم أقرأ ما كتب.
يجيء العيد وأحد أبناء الوطن مختطف في لبنان وقد يكون هناك غيره، فالأمور ضبابية. لبنان مثال لفساد العنصرية المذهبية والطائفية التي نوهت عنها سابقاً، فهل يريد الأحباب الذين يتنابزون بالطائفية أن يبقى كل واحد منهم حاملاً بندقيته ليحمي نفسه من هجوم عصابات طائفة أخرى أو مذهب مختلف أو دين آخر.
يعود العيد وأتساءل هل يمكن أن يكون هناك عيد أردى من هذا؟ وهو سؤال مشروع ومنطقي. أظن أنه ما لم نتوقف ونعيد النظر في أولوياتنا، وما لم يعمل قادة العمل الاجتماعي والديني والرسمي على تأصيل مفاهيمهم التي يروِّجون لها في المنتديات وعلى المنابر وفي وسائل الإعلام والمجالس. ما لم نؤمن بأن مصدر عزتنا وكرامتنا وقيمتنا هو الإسلام. فإن حالنا ستكون ''من هذا وأردى''.
إن الخطاب المثالي الذي لا يدعمه صدق في العمل وعدالة في التعامل وإعطاء كل ذي حق حقه، يؤدي إلى ازدواجية في المعايير وسوء تمثيل للمفاهيم التي يروج لها المسؤول أو رجل الدين في خطاباته وخطبه وطروحاته. يجب أن يسيطر العدل والصدق على الجميع بدءاً من الصفوة. نبذ التفرقة المذهبية والطائفية والمناطقية والقبلية والأسرية هو أهم العناصر التي ستخرجنا من حال التراجع وتضعنا على الطريق الصحيح للتمكين في الأرض وعمارتها واستغلال مواردنا وقدراتنا لتحقيق المستقبل الأفضل لنا ولأحفادنا. وعيدكم مبارك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي