مزاد الرقاب
مزاد الرقاب
تكررت للأسف في مجتعنا ظاهرة غريبة لم تكن مألوفة من قبل وهي مزادات عتق الرقاب .. تلك الدية التي شرعها الله عز وجل لأهل المقتول تخفيفاً لمصابهم وشفاءاً لما في نفوسهم من ألم .. قال تعالى : ( وما كان لمؤمن أن يقتلُ مؤمناً إلا خطئا ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحريرُ رقبة مؤمنةٍ وديةٌ مسلمةٌ إلى أهلهِ إلاّ أن يصدقوا ... ) فكان التنازل عن الدية صدقة لأهل القتيل لأن الصدقة مستحبةٌ في كل وقت ، فكيف بوقتٍ صعبٍ كهذا .
وبين سبحانه في موضعٍ آخر أن من عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحبُّ الظالمين .
فما بالُ أهل المقتول يجعلون من قتل ابنهم مزاداً لجمع الأموال وكأن المال سيعوضهم عن فقيدهم ... فلو كانت الأموال ُتعيد الموتى لعاد الملوك والسلاطين والأغنياء للحياة !!!!!
متى نؤمن أن الموت قد كتبه الله علينا منذ كنا في بطون أمهاتنا وما كانت طريقة الموت إلا سبباً إليه ... فهذا قدرُ الله وهذه مشيئته سبحانه ، وإن كان المقتول قد قتل مظلوماً فقد جعل الله لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل وإن أراد أن يعفو فليعفو بإحسانٍ وطيب نفس بدون تعجيزٍ أو منة .
فكم من أناسٍ قتل أبنائهم ظلماً وجوراً وعدواناً وكان بعضهم أطفالاً لا حول لهم ولا قوة فعفوا وصفحوا يبتغون ما عند الله من عظيم الأجر ولا أدل على ذلك من أم الطفل ( أحمد الغامدي ) التي عفت عن قاتلة ابنها لوجه الله تعالى رغم وحشية جريمتها وبشاعة ما أقدمت عليه في حق طفلٍ لم يؤذها ولم يترصد لها .
إنني أريدُ أن أسأل أهل المقتول : ماذا ستفعلون بالأموال التي جمعتموها حتى ُيعتق القاتل ؟؟ هل ستبنون بها أوقافاً للفقراء والمحتاجين .. أم تتبرعون بها لجهاتٍ خيرية .. أم تبنون بها مساجد وتحفرون بها آباراً ..... أم ستنفقونها على الدنيا التي بسببها ربما ُقتل ابنائكم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كنتُ منذ زمن أرقبُ هذه المزادات العلنية واستغرب صمت من بيده الأمر عنها رغم صدور أمرٍ ملكي بتاريخ 2/10/1432هـ بتحديد دية القتل الخطأ بـ ( 300 ألف ريال ) ودية القتل ِ العمد بـ
( 400 ألف ريال ) .
لكن الظاهرة تنامت بالشكل الذي نراه الآن والذي ينذرُ بكارثة ... فالكل سيضع رقماً تعجيزياً كشرطٍ للعتق .. وعندها تتحول المسألة إلى تجارةٍ مربحة يسعدُ بها كلا الطرفين ولا يخسرُ فيها سوى المقتول نفسه !!!!
فالحذر الحذر من شيوع هذه الظاهرة واندثار مبدأ العفو والمسامحة من قلب صافٍٍ صادقٍ لوجه الله تعالى.