رمضان قبل عقود
رمضان قبل عقود
قد لا يستطيع أحد تخيل أيام رمضان ولياليه قبل عقود من الزمان غير أولئك الذين
عاصروا تلك الأعوام، وذاقوا حلوها ومرها، وخيرها وشرها، ومهما سمعنا من حكايات
وقصص حول تلك الحقبة الزمنية السالفة فلن يسعفنا الخيال بالغوص عميقاً في تفاصيل
ودهاليز حياة الأجداد وظروفهم. لكن لا بأس دعونا نرجع للوراء قليلاً علنا نرسم صورة
تقريبية لواقع ذهب ومعه ذهب الكثير ممن عايشوه.
في ذلك الحين لم يعرف الناس معطيات التقنية الحديثة التي أضحت سائدة في هذا
العصر، بل كانت الحياة بسيطة تخلو من وسائل الترف والرفاهية التي ينعم بها ابناء
الجيل الحاضر. لم تكن هناك مكيفات هواء تطرد حرارة الصيف وتوفر أجواء ملائمة
للناس داخل بيوتهم، مما يجعل الصائمين يكابدون العطش طوال النهار، ثم إن أغلب
الناس يخرجون للعمل في الصباح الأمر الذي يضاعف المشقة، هذا إلى جانب عدم
توفر وسائل نقل عدا الدواب، وعدم وجود ثلاجات تحفظ الأطعمة وتبرد الماء.
مع كل ذلك كانوا سعداء مقتنعين بما لديهم وما تهيأ لهم، فعندما يأتي المساء يتبادل
الجيران أطباق الطعام التي يصنعونها رغم قلة تنوعها، ورغم أن الظروف تحتم
الاقتصاد قدر الإمكان. وحين يرفع الأذان_ الذي كان يصل الأسماع دون مكبرات صوت
لعدم وجود مصادر ضجيج وإزعاج_ يجتمع أفراد الأسرة حول مائدة الإفطار ليتشاركوا
ما تيسر من طعام، ولأن التلفاز لم يعرف في تلك الحقبة الزمنية كان الرجال يسمرون
ويتبادلون الأحاديث والقصص وما يستجد من أخبار، أما الصبية فلا مجال لهم سوى
ممارسة بعض الألعاب الشعبية المعروفة في مجتمعهم، بعد ذلك يخلد الجميع إلى النوم
لأخذ قسطاً من الراحة استعداداً ليوم جديد حافل بالعمل، وقبيل حلول صلاة الفجر
يستيقظون لتناول طعام السحور ..، هكذا كانت حياة الأجداد مشقة وكدح يغلفها جو
من السعادة والأمل.