وزارة الصحة .. المقصلة الإدارية

وزارة الصحة .. المقصلة الإدارية

وزارة الصحة .. المقصلة الإدارية

يوجد في بعض الجامعات كليات معينة يطلق عليها أحيانا أسماء غريبة مستمدة من بيئتها الداخلية وطبيعة الجو التعليمي والأكاديمي المسيطر عليها ، فعلى سبيل المثال انتشر قديما بين الطلاب مسمى مقبرة الجامعة على كلية العلوم نظراً لصعوبة الدراسة فيها والجهد الذي يبذله الطالب ليتخرج منها وكأنه دخل القبر من شدة أهوال تلك الكلية ، وعلى نفس المنوال يتواجد بين الوزارات لدينا وزارة تستحق أن يطلق عليها لقب المقصلة الإدارية.

فعلى مدى عقود ووزارة الصحة تتكسر سيوف الوزراء دون سورها الحصين ، ودون أن تفك طلاسم وعقد تلك الوزارة الأبية ، على الرغم من النجاح لبعض المستشفيات ومنها على سبيل المثال ( المستشفي العسكري ، مستشفي الحرس ، مستشفي الملك فيصل التخصصي ) والتي تعتبر بحق مفخرة لكل سعودي ، ولكن للأسف حتى تلك المنجزات لا تجير لمصلحة وزارة الصحة وإنما تجيز للنجاح القطاعات التي تندرج تلك المؤسسات الصحية تحت لوائها في قدرتها على توظيف إمكانياتها المادية والبشرية والتنظيمية لخلق وإيجاد بيئة متميزة فنياً وطبياً وبشرياً وليس إنسانيا ( التعامل الإنساني )ومع ذلك تظل تلك المستشفيات هي اللاعب الأبرز في الساحة الصحية بالمملكة.

على مدى عقود ووزارة الصحة تنعم بميزانيات الخير هي ومثيلاتها من الوزارات الاخري ، فنحن في المملكة لا نشتكى من ضعف الدعم سواء المادي أو المعنوي من لدن قيادتنا الرشيدة – حفظها الله- ، فالوزارة لا تعاني قصوراً في تصميم وشكل منشأتها الصحية ، ولا في حجم ومزايا التجهيزات والمعدات الطبية التي تحويها ، حتى أصبحت مستشفياتنا تضاهي كبريات مستشفيات العالم في التصميم والأناقة والتجهيز بل وتفوق الكثير منها .

إن من أبسط حقوق المواطن في دولتنا الكريمة بكل المقاييس أن ينعم بخدمات صحية وعلاجية تتوافق قبل كل شي مع تطلعات القيادة الحكيمة ورغبتها ثم تلبي احتياجات ذلك المواطن البسيط هو وأسرته ، إن صناعة الخدمات الصحية تشكل مجالاً لا يقل أهمية عن الصناعات الأخرى بل أجزم أنها تفوقها ، فالمريض لا يذهب إلى المستشفيات للسياحة أو ليستمتع بقضاء وقت فراغه ، بل أتى وهو يعاني من مشاكل صحية يعتقد بأن مقدم الخدمة يستطيع بعد إرادة الله مساعدته في علاجها أو على الأقل اكتشافها ، إذن على هذا الأساس صناعة الخدمات الصحية مثلها مثل باقي الصناعات لها مدخلاتها الرئيسية وهم المرضى مروراً بعملياتها التشغيلية التي تجريها عليهم وانتهاء بمخرجاتها بعد إرادة الله مواطن بصحة جيدة ، لينسجم ذلك مع المثل القائل العقل السليم في الجسم السليم ، ويعود ذلك المواطن لتأدية مهامه بكل كفاءة وفعالية مع غيره في منظومة موارد الدولة البشرية العاملة والتي تحقق أهدافها.

على مدى عقود ووزارة الصحة تستقبل في كل فترة وزيراً جديداً متميزاً بكل المقاييس ، ويحمل في جعبته الكثير من الخطط والرؤى والأهداف النبيلة ، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يغيروا من الواقع إلا الجزء اليسير على الرغم من التميز والريادة في بعض المجالات الطبية العلاجية مثل عمليات فصل التوائم السياميين بريادة من معالي الوزير الربيعة الذي وبكل أمانه جلب معه للوزارة وموظفيها ، ما لم يسبقه به أحد من مزايا وحوافز ليكتمل المحور الثالث (المنشات والتجهيزات والتعويضات للموظفين)، وتبقي الحلقة والضلع الأهم وهي جودة الخدمة المقدمة والتعامل الإنساني من قبل الموظفين فأين الخلل؟ الم أقل لكم بأن وزارة الصحة بحق هي السور الذي اعجز الوزراء.

قبل أيام قرأت خبرا في "الاقتصادية" يوضح دراسة أجرتها إحدى الشركات وخلاصة تلك الدراسة تقوم على أن المواطن السعودي يعتبر ألاقل بين دول الخليج تفضيلاً للعلاج في الخارج والأكثر اعتماد على طبيب العائلة والذي لم أسمع به من قبل الا في الكتب فمن أين أتت تلك الدراسة المضللة ومن أي فئة أو شريحة استمدت نتائجها تلك ( علماً بأننى استعرضت التعليقات على ذلك المقال فوجدتها كلها ضد تلك النتائج المستخلصة).

مع احترامي وتقديري الكاملين لجميع العاملين في القطاع الصحي ، والذي لا نشك في رغبتهم الحقيقية في مساعدة جميع المرضى دون تمييز ودون إهمال ، ولكن هل حققت الوزارة النتائج المتوخاة منها مقارنة بالدعم السخي الذي تحصل عليه ، ونحن هنا لا نقلل أبداً من البرامج التطويرية التي تتبناها الوزارة وتسعى لتطبيقها ولا نختزل الانجازات الطبية المتميزة التي تحققت من خلال بعض مستشفياتها. ولكن هل تحققت النتائج الحقيقية والمأمولة من القطاعين الصحي الخاص والعام ، في ظل العروض العلاجية السخية التي تقدمها مستشفياتنا سواء العامة أو الخاصة من شاش طبي منسي ، مقص غفل عنه الجراح ، أو جرعة تخدير فاقت المعيار ؟ أو في تلبية احتياجات المواطن في عدم وجود أسرة شاغرة ، مواعيد تمتد لسنوات حتى يموت المريض ، حتمية أن يتمتع المريض بشبكة علاقات اجتماعية لتجري له عملية جراحية ، أعتقد بأن المشكلة في الوزارة تكمن في أمور متعددة منها ما هو متعلق بنوعية وكفاءة الموارد البشرية وخصوصاً الفنية منها وكذلك فيما يتعلق بثقافة تقديم الخدمات الصحية وكيفية تقديمها وقيم تقديمها عملاً بالحديث الشريف " تبسمك في وجه أخيك صدقة".

ختاماً وبكل أنصاف يحتاج الوزير الربيعة إلى إعادة هيكلة وزارة الصحة لتسوية التهتكات الإدارية المتجذرة منذ زمن بعيد ، وإجراء عملية جراحية مستعجلة للأنظمة المطبقة في وزارة الصحة لإعادة الحياة لمريض أسمة جودة الخدمات الصحية والعلاجية.

الأكثر قراءة