تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية العربية
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية العربية
عند وصف الاقتصاد العالمي الحالي يتكرر استخدام مصطلحين أساسيين هما : العولمة واقتصاد المعرفة. فلقد ظل العالم يشهد تزايد عولمة الشئون الاقتصادية وذلك بسبب عدة عوامل من أهمها ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك التخفيف من القيود التجارية على المستويين الوطني والدولي. كما ظل العالم يشهد بالتوازي مع ذلك ً ارتفاعا حاداً في الكثافة المعرفية بالأنشطة الاقتصادية مدفوعاً بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتسارع خطى التقدم التكنولوجي.
واقتصاد المعرفة في الأساس يقصد به أن تكون المعرفة هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. واقتصادات المعرفة تعتمد على توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال واستخدام الابتكار و الرقمنه .وعلى العكس من الاقتصاد المبني على الإنتاج، حيث تلعب المعرفة دورا أقل، وحيث يكون النمو مدفوعا بعوامل الإنتاج التقليدية، فإن الموارد البشرية المؤهلة وذات المهارات العالية، أو رأس المال البشري، هي أكثر الأصول قيمة في الاقتصاد الجديد، المبني على المعرفة. وفي الاقتصاد المبني على المعرفة ترتفع المساهمة النسبية للصناعات المبنية على المعرفة أو تمكينها، وتتمثل في الغالب في الصناعات ذات التكنولوجيا المتوسطة والرفيعة، مثل الخدمات المالية وخدمات الأعمال.
وتعد البنية التحتية للمعلومات والاتصالات الأرضية الصلبة التي تنمو عليها أنشطة الاقتصاد المرتكزة إلى المعرفة. وتتألف عناصر هذا المحور من أدوات المعلومات والاتصالات حيث الهواتف التقليدية، والمحمولة، وعدد الحاسبات الشخصية المتوفرة في البيئة الوطنية، والتي تعد معيارا على مقدار توظيف تقنية المعلومات في الدخول إلى الإنترنت، أو التطبيقات الميدانية. يضاف إلى ذلك أنواع تقنيات المعلومات السائدة في البيئة الوطنية التي تسهم في الاستثمار الأمثل لتدفق المعلومات. كذلك، يؤخذ بعين الاعتبار مستوى سيادة خدمات الحكومة الإلكترونية، وحجم الإنفاق عل البنية التحتية للمعلومات.
إن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اصبحت تشكل كثافه عالية في الانتاج بحيث زاد اعتماده بصورة واضحة على المعلومات والمعارف ؛ فنحو اكثر من 70 في المائة من العمال في الاقتصادات المتقدمة هم عمال معلومات information workers ؛ فالعديد من عمال المصانع صاروا يستخدمون عقولهم اكثر من استخدامهم أيديهم.
وجدير بالذكر أن مجموعة البنك الدولي كانت قد طرحت في نهاية يوليو 2012 استراتيجية جديدة طموحة بشأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وذلك لمساعدة البلدان النامية على استخدام هذه التكنولوجيا في تغيير خدماتها الأساسية، وتدعيم الابتكارات ومكاسب الإنتاجية، وتعزيز القدرة التنافسية. وتعكس هذه الاستراتيجية ما شهده قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من تغييرات سريعة خلال العقد الماضي، بما في ذلك الزيادة الهائلة في استخدام الهواتف المحمولة والإنترنت، والانخفاض الكبير في أسعار أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الإنترنت المحمولة، وزيادة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
وتستند الاستراتيجية الجديدة للفترة 2012-2015 على خبرة مجموعة البنك الدولي في التعاون مع البلدان التي تتعامل معها المجموعة في مجال إصلاح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطوير البنية التحتية والحكومة الإلكترونية. فخلال العقد الأول من الألفية الجديدة، ساعدت المساندة من البنك الدولي لإصلاح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اجتذاب 30 مليار دولار في شكل استثمارات خاصة في البنية التحتية لشبكات الهاتف المحمول في أقل البلدان نمواً. وأتاحت الاستثمارات في البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية بمبلغ 2.3 مليار دولار من مؤسسة التمويل الدولية، وضمانات ضد المخاطر السياسية بمبلغ 550 مليون دولار من الوكالة الدولية لضمان الاستثمار للقطاع الخاص الاستثمار في شركات الهاتف المحمول في البيئات الصعبة شديدة الخطورة.
ووفقا للاستراتيجية الجديدة لمجموعة البنك الدولي، ستتيح الوكالة الدولية لضمان الاستثمار قدرتها في مجال التأمين لتسريع الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالبلدان ذات المخاطر الأعلى، ولا سيما البلدان الهشة والبلدان الخارجة من الصراعات، حيث ستكون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عاملاً أساسياً للنمو، وخلق فرص العمل، وتبادل المعارف، ونظام الإدارة العامة. وسوف يتم توجيه مساندة مجموعة البنك الدولي إلى ثلاثة مجالات ذات أولوية:
التحول: جعل التنمية أكثر انفتاحاً وأكثر خضوعاً للمساءلة، وتحسين الخدمات – على سبيل المثال، عن طريق تسهيل قيام المواطن بتقديم معلومات تقييمية إلى الحكومة ومقدمي الخدمات.
الربط والتوصيل: زيادة إمكانية الوصول الميسور التكلفة إلى تكنولوجيا النطاق العريض – بما في ذلك للنساء والمواطنين المعاقين والمجتمعات المحلية المحرومة والسكان في المناطق النائية والريفية.
الابتكار: تطوير صناعات خدمية تنافسية تستند إلى تكنولوجيا المعلومات وتشجيع الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مختلف قطاعات الاقتصاد – مع التركيز على إيجاد فرص العمل، وخاصة للنساء والشباب.
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي تكنولوجيا للأغراض العامة، وهي بذلك ذات أثر على الاقتصاد بأسره. وهي تدخل نموذجا جديدا لتشكيل الأنشطة الاقتصادية، محدثة تغييرا جذريا في نهج التكنولوجيا من أجل التنمية. ويمكن تلخيص الجوانب الرئيسية لهذا النموذج الجديد على النحو التالي:
أولا: أن الأثر الاقتصادي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن يكون من حيث المؤثرات الخارجية والآثار غير المباشرة بفعل استخدامها وتطبيقها في مختلف قطاعات الاقتصاد أكبر من مساهمتها المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي كقطاع من قطاعات الإنتاج.
ثانيا: أن أحد أهم المؤثرات الخارجية هو النمط الجديد لتنظيم الإنتاج والاستهلاك الذي يفضي إلى خفض التكاليف وتسريع الاتصالات بين الوكلاء الاقتصاديين وتحسينها. وفيما يتعلق بالدول النامية فإن هذه الابتكارات تكون قد أتاحت فرصا جديدة للاندماج في سلاسل القيمة العالمية ولتنويع أنشطة الإنتاج والصادرات. وفي الوقت ذاته تسهل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات استحداث شبكات وزيادة تبادل المعلومات محليا وعالميا.
ثالثا: أن وتيرة الاختراعات المتسارعة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ذاته قد قلصت بشكل كبير تكاليف الحصول على هذه التكنولوجيات. وقد سمح ذلك بإضفاء طابع ديمقراطي على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما في ذلك من قبل الفقراء الذين يستخدمونها لتحسين سبل عيشهم كما سهل الأخذ بهذه التكنولوجيات في برامج الحد من الفقر.
رابعا: أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أوجدت خدمات جديدة في شكل التجارة الإلكترونية والتمويل الإلكتروني والإدارة الإلكترونية …الخ. وهذه الخدمات الجديدة يمكن أن تساهم في زيادة الفعالية الاقتصادية. بيد أن تحديات أخرى قد تنشأ فيما يخص مسألتي الثقة والأمان في المعاملات الي تولدها هذه الخدمات الإلكترونية الجديدة.
خامسا: أن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يتطلب مهارات وأن التعليم والتدريب يكتسيان مزيدا من الأهمية في بناء اقتصاد المعرفة الذي تمثل فيه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أداة لا غنى عنها.
وأخيرا: أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أدت إلى ظهور أنماط جديدة لتقاسم المعارف والإنتاج الجماعي للأفكار والابتكارات،عادة ما تتخطى نظام تسجيل الملكية الذي تتيحه حقوق الملكية الفكرية. ونماذج "الوصول المفتوح" هذه،سواء في أنشطة من قبيل المصادر المفتوحة للبرمحيات،أو الابتكارات المفتوحة، أو اقتران المعارف المشتركة،أصبحت منتشرة جدا وواعدة من حيث نشر المعارف بسرعة إلى البلدان الأقل تقدما.
إن ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات آخذة في التوسع والانتشار في العالم النامي حاملة معها الأمل في تحقيق طفرة تكنولوجية كبرى ستساهم في تحديث اقتصادات الدول النامية بسرعة ومنها الدول العربية.
فالعالم العربي مثله مثل كل دول العالم الثالث، يواجه تحديات جديدة إلى جانب القضايا والمشاكل المتراكمة، والتي تزيد في اتساع الفجوة العلمية وفجوة نظم المعلومات والفجوة التقنية، مما يستدعي صياغة اتجاهات الجديدة تراعي التركيز على تكنولوجيا المعلومات، كأساس للتنمية الشاملة، خاصة وإنها لم تستخدم بشكل كاف وصحيح في الوطن العربي فالبلدان العربية، وبدون استثناء – وإن تكن بدرجات متفاوتة – هي بلدان مستهلكة للتكنولوجيا وليست صانعة لها، الأمر الذي زاد في مشاكلها الاجتماعية، وعرقل مسيرة إنشاء وتطوير تكنولوجيا محلية، وتطويع التكنولوجيا المستوردة، والتي تتطلب تفكيرا إبداعيا ومهارات ابتكارية، إلى جانب ضعف الهياكل الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والمتمثلة في شبكات الاتصال ونظم التقييس، والعمالة المدربة.
فضلا عن عدم ملائمة التشريعات للانفتاح على مستجدات العصر، وغياب سياسات علمية واستراتيجية واضحة المعالم تسير جنبا إلى جنب مع الخطط التنموية. وهوما سيؤثر على الخطوات الأولى في إرساء مجتمع المعلومات، وإن لم تستدرك الدول العربية هذه النقائص واستيعاب المتغير المعلوماتي، وأن تحاول إيجاد موقع لها ضمن زمرة الدول التي سبقتها إلى هذه النقلة النوعية، خاصة وأن الدول العربية خطت خطواتها الأولى في مجتمع المعلومات مجبرة، وخوفا من أن تجد نفسها خارج دائرة الأحداث.
ولجنى ثمار الفرص الي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فمن الضروري أن تعمل هذه الدول على تحديد مجموعة من السياسات الرامية للتشجيع على استحداث المعارف ونشرها واستخدامها،وهو ما ينبغي أن يشكل الأساس لاستراتيجية ترمي إلى تحقيق النمو المستدام.