«سوق الصواريخ» .. 60 ألف عامل ومليون و200 ألف صنف في مكان واحد
مع كل موجة غلاء تشهدها أسعار السلع المختلفة، تكتسب سوق الميناء في جدة والمعروفة بـ''سوق الصواريخ'' عملاء ومرتادين جددا، نظراً لتدني أسعار البضائع المعروضة فيها، مقارنة بمثيلاتها في المراكز التجارية الحديثة منها والأخرى القديمة، حيث تصل نسبة الفارق في أسعار بعض المعروضات فيها أحياناً إلى 90 في المائة من السعر في مواقع أخرى. وتمتاز ''سوق الصواريخ'' التي أصبحت السوق الشعبية الأكبر من نوعها في السعودية والشرق الأوسط كذلك، بتنوع معروضاتها، حيث تقدر مصادر عاملة في السوق نفسها، عدد الأصناف المعروضة فيها بمليون و200 ألف صنف في مكان واحد بعضها يمثل سلعا جديدة وبعضها الآخر يمثل سلعا مستعملة أو قديمة، وساعد هذا على تنوع شرائح زبائن السوق التي لا يقتصر ارتيادها على سكان وأهالي محافظة جدة فقط، بل أصبحت يرتادها زوار من مختلف الجنسيات والشرائح من داخل السعودية وخارجها.
ويطلق على تلك السوق، اسم ''سوق الميناء''، نظرا لأن بعض البضائع المصادرة من قبل جمارك ميناء جدة تباع فيها، ويعود سبب تسميتها بـ''سوق الصواريخ'' إلى قربها من موقع قاعدة صواريخ أقيمت أقصى جنوب غرب مدينة جدة قبل أكثر من 25 عاما.
وقد بدأت السوق بـ30 محلاً، حتى أصبحت حالياً مدينة تجارية مقامة على أكثر من مليون متر مربع، وتضم 36 سوقا متلاصقة تحتوي على أكثر من 13 ألف محل وأكثر من عشرة آلاف بسطة مرخصة، إضافة إلى آلاف ''البسطات'' غير النظامية عبر الممرات والشوارع المؤدية إليها.
#2#
ومع تنامي حجم السوق وزيادة المعروض فيها كما ونوعا، إضافة إلى المزايا الأخرى كالأسعار المخفضة، اتسعت سمعة السوق داخل السعودية وخارجها، حتى غدت موقعاً يتكرر فيه، كثيراً، تواجد الحجاج والمعتمرين من مختلف الجنسيات خلال مواسم العمرة والحج، ومسرحاً يشهد منظراً مألوفا للحجاج والمعتمرين وهم يتجولون لشراء منتجات وبضائع أقل سعرا مما هو معروض في دولهم خصوصا الأجهزة الإلكترونية.
وامتد دور السوق حتى أصبحت أحد أهم المعالم التي تستقطب الزائر لغرب السعودية، حيث يجد الزائر ضالته في كل المنتجات المعروضة التي تمتاز بتدني السعر مقارنة بأسواق أخرى.
ومن الأمور اللافتة للنظر في سوق الميناء، أنها جذبت إليها شريحة ''تجار الشنطة'' من المعتمرين والحجاج الذين أصبحوا يعرضون سلعهم المختلفة فيها، فالحجاج والمعتمرون من روسيا ودول وسط آسيا دأبوا على عرض سلعهم من عسل النحل وعلب الكافيار والسكاكين وأجهزة الراديو والسجاد والساعات من الصناعة الروسية.
كما يقوم معتمرون وحجاج من دول إفريقية بعرض أنواع من الجلود والعاج والعنبر والأعشاب الطبية والحنة ومواد التجميل والأقمشة القطنية وغيرها من السلع، بينما يعرض المصريون منهم الجلديات والهدايا وبعض المشغولات الفضية واليدوية، إضافة إلى أنواع من المأكولات والحلوى مثل ''السمسمية'' و''الحمصية'' وغيرها.
أما اليمنيون، فتخصصوا في بيع عسل النحل في مواقع لبسطات مؤقتة أحياناً وعبر باعة جائلين أحياناً أخرى في السوق نفسها، بينما يبيع الحجاج والمعتمرون من المغرب، أنواعاً من حلويات تعرف بكعب الغزال والمشبك والفقاس وزيت أرجان والصابون البلدي وأدوات الحمام من ليف خاص وأنواع أخرى، إضافة إلى منتجات فخارية من طواجن وكؤوس ذات زخارف خاصة وصوان وفضيات.
#3#
وعاما بعد عام بدأت السوق تشهد تنامي ظاهرة بيع مأكولات مخصصة من بعض الدول العربية والأجنبية، وأصبحت تلك الأصناف والأطباق أحد أصناف قائمة الطعام لدى المواقع المخصصة في السوق، وذلك بعد إضافتها إلى قوائم الأطعمة أخيرا. ويعد بيع مأكولات أجنبية في السوق أمرا غريباً حتى وقت قريب.
حمادة أبوعطا ''معتمر مصري''، قال إنه اعتاد زيارة سوق الميناء كلما جاء لأداء العمرة، مشيراً إلى أن اللافت في السوق هو أنها في كل مرة يجدها تتمدد حتى أصبحت مدينة تجارية كبيرة، مضيفاً: ''أحرص على القدوم إلى هذا المكان، لأنني أجد فيه كل شيء، وأنا أشتري منه كل الهدايا واحتياجاتي من الملابس الجديدة والمستعملة والعطور والأدوات المنزلية والكهربائية والسلع الاستهلاكية والغذائية وأدوات التنظيف والأدوات الكهربائية وغيرها.
ويؤيده في الرأي، الحاج أبوالنجا السيوفي من مصر، ويقول إن سوق الميناء تستحق أن تكون أغرب سوق في العالم، لأنها سوق الأغنياء والفقراء في الوقت نفسه، وفيها تجد كل الجنسيات.
وحول مسيرة تطور السوق يقول عامر هزازي ''أحد التجار الأوائل في سوق الميناء'' إن تاريخ إنشاء السوق يرجع إلى ما قبل 25 عاما حيث بدأت بعدد قليل من العارضين والباعة، وبعد فترة بدأت السوق بفرعين فقط الأول للخردة والثاني للملابس، وكان الناس يسمونها بسوق ''باقدو'' على اسم صاحب الأرض ومن يومها والسوق تتوسع عاما بعد عام، حتى وصلت إلى الحالة التي هي عليها الآن من التوسع والتمدد.
وطالب هزازي الجهات ذات الاختصاص بأمر السوق، بإدراجها في موسوعة ''جينيس'' العالمية للأرقام القياسية، كأكبر سوق شعبية يومية مفتوحة، مشيرا إلى أنه لن يمر وقت طويل وتتضاعف مساحة السوق بإضافة واتصال الأسواق والمراكز الجديدة التي تقام قريبا منها، مشيراً إلى أن السوق تضم حالياً أكثر من 60 ألف عامل تمثل العمالة من الجنسية البنجلادشية أكثر من 60 في المائة من إجمالي العاملين فيها، فيما تأتي العمالة الهندية في المرتبة الثانية، تليها العمالة الإفريقية والعربية، لا سيما من الجنسيات السودانية واليمنية والمصرية، بينما يوجد السعوديون بأعداد قليلة وهم ملاك للمحال التي يعملون بها، وبعضهم له أكثر من 15 عاما يزاول هذا النشاط.
وتابع هزازي قائلاً: إن الغريب في سوق الميناء ''الصواريخ'' هو إمكانية أن يجد مرتادها أحدث الماركات العالمية وأفخم الأزياء العربية والأوروبية والغربية، إلى جانب البضاعة الصينية، والتايوانية، والإندونيسية، والعربية، والإفريقية، والمحلية، فضلاً عن وجود محال لبيع التحف وقطع التراث وبعض اللوحات الفنية.
ونظرا للسمعة التي اكتسبتها السوق على المستوى المحلي والعربي والإسلامي، فإن بعض الباعة انتقلوا إليها من أسواق شعبية أخرى في مدينة جدة، كمنطقة باب شريف أو سوق البوادي وغيرها، ومن أسواق مدن أخرى في مكة المكرمة أو الليث أو المدينة المنورة ومدن ومناطق أخرى، ما سارع في نمو السوق وتنوع معروضاتها.
وفي السياق ذاته، لم ينفِ عبد الله عبود الشيخ رئيس بلدية جنوب جدة التي تتبع لها سوق الميناء، وجود نسبة كبيرة من البسطات التي تضمها السوق وتصل إلى آلاف غير مصرح لهم من قبل البلدية، مشيراً إلى أن ذلك يعد مخالفا للأنظمة، مؤكداً أن فرق البلدية الموجودة في السوق تتعامل مع تلك التجاوزات بشكل يومي.
وفي رده على سؤال لـ''الاقتصادية'' حول دور البلدية في متابعة ضمان سلامة السلع خصوصا الغذائية منها أثناء المواسم ومنها موسم شهر رمضان، قال الشيخ إن فرق البلدية تعمل على مدار العام لمتابعة مئات الآلاف من السلع التي تعرض في السوق لا سيما السلع الغذائية التي انتشر بيع العديد منها داخل السوق سواء في المناسبات المختلفة أو في شهر رمضان المبارك، مشيراً إلى أن من بين مهام فرق البلدية في السوق ضبط السلع الغذائية منتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر التي يقوم البعض من ضعاف النفوس بجلبها وبيعها بأسعار متدنية في الأسواق الشعبية ومنها سوق الميناء في جدة.
وحول تنامي أعداد البسطات في جنبات السوق خصوصا نهاية كل أسبوع، أوضح أنها نوعان، الأول عبارة عن بسطات مرخصة ورسمية، أما النوع الثاني فهو البسطات غير الرسمية، مضيفاً أن الفرق الموجودة في السوق تعمل على منعها ومصادرة بضاعتها، مشيرا إلى أن البسطات الرسمية حددت لها مواقع داخل السوق بحيث لا تعوق حركة المرور، مؤكداً بقوله: ''لا يكاد يمر أسبوع دون مصادرة وإتلاف كميات كبيرة من البضائع التي يعرضها البائعون الجائلون أو زوار السوق من المعتمرين القادمين من خارج السعودية''. وفيما يتعلق بنقص الخدمات في السوق وفي مقدمتها دورات المياه والرصف وغيرها من الخدمات البلدية، أوضح قائلاً: إنها في طريقها إلى الحل بمجرد انتهاء شركة المياه الوطنية من معالجة ارتفاع مستوى المياه الجوفية في الموقع، مشيراً إلى مباشرة الشركة العمل منذ فترة وقد شارفت على الانتهاء منه.
من جانبه، قال لـ''الاقتصادية'' الرائد محمد حسين المتحدث الرسمي باسم جوازات جدة، إن كبر سوق الميناء الآن واشتمالها على آلاف من العمالة جعلها منطقة مثالية وجاذبة لبعض المخالفين لأنظمة الإقامة في السعودية لا سيما من المتخلفين من المعتمرين والحجاج، مشيراً إلى أن فترات المواسم تمثل الذروة في هذا الاستقطاب، موضحا أن دوريات الجوازات في سوق الميناء مستمرة على مدار العام إلا أنها تزداد عقب انتهاء كل موسم خصوصا في شهر رمضان المبارك وموسم الحج من كل عام، قائلاً إن هناك فرق بحث وتحر تقوم بتوفير المعلومات الدقيقة لفرق الدوريات للقبض على مخالفي أنظمة الإقامة، مشيرا إلى أن بعض هذه الحملات تتم عن طريق الجوازات فقط وبعضها تتم بالتنسيق والمشاركة مع أجهزة أخرى.
وحول أعداد الحالات التي يتم القبض عليها من قبل دوريات وفرق الجوازات المتحركة، أوضح أنها ليست في معدل ثابت وأنها ترتبط أكثر بظروف المواسم، مبيناً أن أهم حالات المخالفة تتمثل في حالات التخلف من الحج أو العمرة، مشيراً إلى أن الجنسية البنجلادشية تأتي في الترتيب الأول تليها الجنسيات الإفريقية غير العربية، أما الجنسيات العربية فتأتي الجنسية اليمنية والسودانية والمصرية في مقدمتها في الحالات المخالفة التي يتم ضبطها داخل السوق، كما أن هناك حالات أخرى مخالفة لأنظمة الإقامة يتم القبض عليها في السوق تتمثل في عمالة استقدمت للسعودية وهربت من كفيلها وأخذت تمارس نشاط البيع في السوق بشكل غير قانوني. وقد أغرت حركة الشراء القوية في السوق خصوصاً في عطلات نهاية الأسبوع والمناسبات الكبرى، عددا من التجار والوكالات الكبيرة لفتح فروع ومحال لها في هذه السوق، حيث يوجد الجديد من معروضات السوق كما يوجد القديم أيضاً، ويلاحظ الكثيرون وجود بضاعة من ماركة عالمية، إلى جانب بضاعة مجهولة الهوية، فضلاً عن وجود الغالي إلى جانب الرخيص وما على المشتري إلا الاختيار وتحديد ماذا يريد، فأصحاب الدخل المحدود من زوار السوق يقبلون على سلع معينة حيث يحددون غالبا ما يريدون شراءه، أما الفريق الآخر وهم من متوسطي ومرتفعي الدخل فيشترون كل ما يريدون، حيث إن انخفاض الأسعار يفتح شهيتهم للشراء مقارنة بأسعار مثيلات البضاعة في المراكز والأسواق التجارية الأخرى.
وفي أيام الجمع من كل شهر تقام العديد من ''الحراجات'' على سلع معينة وغالبا ما تتخصص في الملابس والسجاد والموكيت والأجهزة الكهربائية والسلع الغذائية كالتمر أو غيره، ويتجمع زوار السوق ويبدأ كثير منهم ما يسمى ''التحريج'' على البضاعة، وذلك بعد نهاية كل صلاة مغرب من كل يوم جمعة.
ومع تعاقب الليل والنهار ومرور السنين باتت السوق محطة للقادمين من الشمال (المدينة المنورة) والشرق (مكة المكرمة) والليث والقنفذة جنوبا، لشراء مستلزماتهم من ملابس وأدوات منزلية ونحو ذلك، ومنهم من شرع في الاتجار وتحميل كميات من مختلف البضائع وإرسالها إلى مدينته لتسويقها. وفي الجانب الاقتصادي يتوقع متعاملون في السوق أن يسجل موسم العام الحالي أرباحا تتجاوز 250 مليون ريال في بيع الملابس والأجهزة الكهربائية والمفروشات، بينما تنخفض الأرباح في المواد الاستهلاكية الأخرى لقلة الإقبال عليها في هذه الفترة.
ورغم الحملات المستمرة التي تقوم بها الجهات المختصة في أمانة جدة لتطبيق الأنظمة على أصحاب البسطات العشوائية، إلا أن بسطات البائعات الإفريقيات لا تزال مستمرة في فرض نفسها على سوق الصواريخ، وتقول إحدى البائعات فيها، إنهن يتعرض لحملات دهم مستمرة من قبل البلدية، لكنهن اعتدن على الأمر، ويقمن بتغيير أماكنهن تفاديا للوقوع في أيدي تلك الحملات، مشيرة إلى أن استمرارهن في العمل ناتج عن الإقبال الكبير الذي يجدنه من الزوار والمتسوقين خصوصاً المقيمين منهم.