الاقتصاد الخفي أو غير المنظم
تطرقت جريدة ''الاقتصادية'' إلى قضية الاقتصاد الخفي عدة مرات. والاقتصاد الخفي هو الاقتصاد المقابل للاقتصاد المنظور أو المعلوم. ويوجد العديد من التسميات لظاهرة الاقتصاد الخفي والتي من بينها مسميات الاقتصاد غير الرسمي، أو الاقتصاد غير المنظم، أو الاقتصاد المغمور، أو اقتصاد الظل، أو الاقتصاد الأسود، أو الاقتصاد السفلي، أو الاقتصاد الثاني، أو الاقتصاد غير المرئي، أو الاقتصاد غير المسجل، أو الاقتصاد المقابل وغير ذلك. وتميل المؤسسات الدولية ومعظم المختصين إلى تسميته الاقتصاد غير المنظم أو غير الرسمي، حيث يوحي بعض المسميات والتي منها مسمى الاقتصاد الخفي للسامع بنوع من السلبية عن هذا الاقتصاد وأنه اقتصاد إجرامي.
وللتعرف على الاقتصاد غير المنظم أو قياس آثاره ونتائجه وسبل التعامل معه يجب أولا وضع تعريف محدد لهذا الاقتصاد لكي يتمكن المختصون من تحديد حجمه وتأثيره والعوامل المؤثرة فيه. ويواجه معظم المختصين صعوبة في تعريف هذا الاقتصاد، ولهذا توجد عدة تعريفات لهذا الاقتصاد ولكن أبرزها التعريف الاقتصادي والذي يذكر أن الاقتصاد غير المنظم هو ببساطة: كل الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة والتي لا تدخل ضمن إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي الرسمية. وقد يشمل هذا التعريف السلع والخدمات المباحة والممنوعات كتجارة المخدرات والمسكرات وتهريب السلاح والممنوعات والمحرمات كافة. ويصعب تقدير قيم الممنوعات بسبب تعمد العاملين في أنشطتها التعتيم على المعلومات لتجنب الملاحقة القانونية. وتحارب دول العالم السلع الممنوعة بشتى الطرق والأساليب، وتحاول منع المتاجرة فيها، ولا تسعى بأي شكل من الأشكال إلى تنمية هذا القطاع. وقد يوصف القطاع غير المنظم ببعض الصفات السلبية كالعمالة غير المسجلة والتهرب من الضرائب والرسوم والمؤسسات غير المسجلة والأنشطة الإجرامية وغير القانونية. ولكن معظم أنشطة الاقتصاد غير المنظم توفر سلعا وخدمات مباحة تنتج من قبل أفراد أو كيانات غير مرخصة. وترى المنظمات الدولية وجوب التمييز بين الاقتصاد غير المنظم والاقتصاد الإجرامي. وتعتبر دول العالم أن النمو في قطاع المحرمات والممنوعات أمر سلبي وغير مرغوب فيه ولا يبشر بخير، ولهذا يتجنب من يقدر حجم القطاع غير الرسمي وضع تقديرات لأنشطة القطاع غير المنظم في السلع والخدمات المحرمة والممنوعة. ويركز مقدرو الاقتصاد غير المنظم على تقدير حجم ومساهمة أنشطة السلع والخدمات المباحة والمسموحة. ونتيجةً لذلك يمكن إعادة تعريف القطاع غير المنظم بحيث يكون هو ''القطاع الذي يغطي كل الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بإنتاج سلع وخدمات مباحة ومسموحة والتي لا تدخل في حسابات الناتج المحلي الإجمالي الرسمية، وذلك لتجنب دفع الضرائب أو التقيد بأنظمة العمالة أو الأنظمة المطبقة على إنتاج السلع والخدمات أو المقيدة لدخول مجال إنتاج السلع والخدمات المباحة''. وبغض النظر عن التعريف فإن الاقتصاد غير المنظم يعد من الظواهر المعقدة والمتضمنة الكثير من الجوانب المختلفة والمتشابكة والتي تحتاج إلى درجة أكبر من التحليل والفهم والمتطلبة الابتعاد عن السطحية والسذاجة في إطلاق الأحكام وسن القوانين. ويعمل القطاع غير المنظم بشكل مواز مع الاقتصاد المنظم وتستفيد منه بعض القطاعات المنظمة والمستهلكون لخفض التكلفة والأسعار، وتستفيد منه العمالة التي خرجت من القطاع المنظم أو تنخفض أجورها أو لا تستطيع العمل فيه للحصول على دخول تمكنها من مواجهة تكاليف الحياة وتأمين لقمة عيش لأسرها.
وتشير بيانات المنظمات الدولية إلى أن الاقتصاد غير المنظم جزء مهم من اقتصاد كل دول العالم، وأنه يساهم بدرجات متفاوتة في اقتصاداتها، ويوفر وظائف ومصادر دخل لأعداد كبيرة من البشر، كما يتفاعل مع الاقتصاد المنظم أو المنظور. ولهذا ترتفع ضرورة التعرف عليه وتقدير أهميته للناتج المحلي الإجمالي، ومساهمته في توظيف العمالة، وفي توفير السلع والخدمات، وخصائصه ومستويات تركزه في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتأثيره في الاقتصاد المنظم أو المنظور. وتحاول اقتصادات متعددة التحكم بالاقتصاد غير المنظم من خلال وضع العقوبات والتنمية والتعليم والتوعية، بينما يرى كثير من المختصين أفضلية استغلال وتدعيم أدواره الإيجابية في مجالي النمو وتوظيف العمالة ومحاربة الفقر. ولهذا فإن الاقتصار على النواحي السلبية عند النظر إلى الاقتصاد غير المنظم أو الخفي إهدار لدور هذا الجزء المهم من الاقتصاد في التصدي لمعضلات الفقر والبطالة وخصوصاً بين المواطنين.