إجراءات ملحة لتسريع نقل مجلس التعاون إلى الاتحاد

ضمن افتتاح الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الرياض يومي 19-20 ديسمبر 2011 قدم خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – اقتراحاً لإخوانه قادة دول المجلس بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وذلك انسجاماً مع نص المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس. وقد رحب القادة بهذا الاقتراح وباركوه. وأكدت الفقرة الأولى من إعلان الرياض الصادر عن القمة ''تبني مبادرة خادم الحرمين الشريفين لتجاوز مرحل التعاون إلى مرحلة الاتحاد لتشكل دول المجلس كياناً واحداً يحقق الخير ويرفع الشر استجابة لتطلعات مواطني دول المجلس ولمواجة التحديات التي تواجهها''. وقرر القادة تشكيل هيئة متخصصة لدراسة هذ الاقتراح، ورفع توصياتها للاجتماع التشاوري الرابع عشر لأصحاب الجلالة والسمو المقرر عقده في الرابع عشر من شهر مايو الحالي (2012) في الرياض.
على الجانب الآخر عقد في الرياض خلال يومي 27 و28 من شهر أبريل الماضي ''مؤتمر الشباب الخليجي''، وذلك برعاية معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزراة الخارجية السعودية التي خصصت جلساته لمناقشة انتقال دول المجلس ''من التعاون إلى الاتحاد''. وكان لي شرف المشاركة في هذا المؤتمر. وقد لفت نظري الحماس الكبير الذي أبداه الشباب والشابات الذين شاركوا في ذلك المؤتمر للتنفيذ الفوري لمبادرة خادم الحرمين الشريفين، بل ذهب بعضهم إلى أن الاتحاد ضرورة حتمية، وليس خياراً استراتيجيا. وافترضت أن ذلك المؤتمر قد يعود إلى عملية انتقاء المدعوين، إلا أن إحدى الهيئات المشاركة في ذلك عرضت نتائج استفتاء لشباب وشابات إحدى دول المجلس أظهر أن 60 في المائة من العينة تؤيد الانتقال الفوري للاتحاد دون تحفظ، أما الـ40 في المائة الباقية فإنها لا تعارض هذا الانتقال، إلا أنها ترى أن يصاحبه مزيد من الحرية والمشاركة في صنع القرار وصيانة حقوق الإنسان.
أكد المشاركون في ذلك المؤتمر، ضرورة تنفيذ المبادرة لتمكين دول المجلس من مواجهة التحديات المحلية في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية، والتحديات الإقليمية والمحافظة على سلامة دول المجلس من التشرذم الذي واجهته أو قد تواجهه عدد من دول المنطقه كالعراق والسودان واليمن وليبيا.
وللمساهمة في النقاش الدائر حول مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالدعوة لإحداث نقلة نوعية في عمل المجلس من التعاون إلى الاتحاد سننظر للموضوع من زاويتين مركزيتين في الجانب الاقتصادي:
الأولى: هي الخطوات المطلوب اتخاذها للانتقال من الوضع الحالي إلى تحقيق الاتحاد الاقتصادي.
الثانية: هي الجوانب الإجرائية والمؤسسية المطلوب استحداثها للوصول إلى هذا الاتحاد ولضمان استمراره ونموه.

القضايا الأساسية
إن عناصر الاتحاد الاقتصادي تتمثل في:
أولاً: إنشاء منطقة للتجارة تهدف إلى إلغاء الرسوم الجمركية على السلع ذات المنشأ الوطني، وإزالة العوائق الأخرى أمام التجارة بين الدول الأعضاء في الاتحاد. وقد تم تنفيذ هذه الخطوه منذ عام 1983، وتعزز ذلك عام 2003 عندما أقر التصنيف الدولي للسلع في عملية الإعفاء ومن ثم الاستغناء عن شهادة المنشأ، ولم يعد هناك إلا بعض المشكلات الفنية البسيطة التي يمكن حلها من قبل الفنيين مثل أهلية منتجات المناطق الحرة للإعفاء الجمركي.
ثانياً: إقرار الاتحاد الجمركي الذي بدأ في تنفيذه في عام 2003 عند تطبيق تعرفة جمركية موحدة تجاه السلع الأجنبية (المستوردة من أطراف ثالثة). إلا أن التنفيذ الكامل لهذا الاتحاد تأجل عدة مرات كان آخرها تأجيله حتى عام 2015 نظراً لوجود عوائق وخلافات في وجهات النظر تتمثل في:
أ- عدم الاتفاق على توزيع الحصيلة الجمركية بين الدول الأعضاء في الاتحاد، ومن ثم الانتقال إلى نقطة الدخول الواحدة.
ب– عدم الاتفاق على قائمة موحدة بالسلع المحمية وبعض الخلافات على قوائم السلع المعفاة.
ج– عرقلة دخول بعض السلع المعاد تصديرها لعدم مطابقتها مع المواصفات المحلية.
د– بعض الدول الأعضاء تقوم بحماية الوكيل ومن ثم لا تسمح باستيراد السلع التي لها وكيل محلي إلا عن طريقه أو بموافقته.
هـ- كيفية التعامل مع السلع الأمريكية الخاضعة للإعفاءات الجمركية بموجب اتفاقيتي التجارة الحرة بين كل من البحرين وعمان من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، وذلك عند إعادة تصديرها لبقية دول المجلس.
إن الانتقال من التعاون إلى الاتحاد وخصوصاً الاتحاد الاقتصادي يتطلب حل هذه المشاكل واستكمال الاتحاد الجمركي. ومن الأفكار التي يمكن طرحها لحل هذه المشاكل ما يلي:
1- بالنسبة لموضوع توزيع الحصيلة الجمركية نلاحظ أن دول المجلس خصصت مبالغ كبيرة لاحتياجات التنمية المستقبلية لكل من البحرين وعمان، وأن توحيد العملة، كما ستوضح لاحقاً، ستتطلب تخصيص صندوق أو حساب مستقل لضمان استقرار العملة الجديدة، كما أثبتت تجربة اليورو. كما أن الانتقال إلى الاتحاد سيقتضي تقوية الأمانة العامة للمجلس وإنشاء هياكل أخرى جديدة.
لذا يمكن أن يخصص الجزء الأكبر من الحصيلة الجمركية للصرف على هذه المجالات الثلاثة. وهذا الإجراء ليس جديداً، إذ إن المفوضية الأوروبية تحصل على جزء كبير من ميزانياتها والإعانات الزراعية الهائلة التي تنفقها سنوياً من حصيلة الرسوم الجمركية.
2- في اعتقادي أن قوائم السلع المحمية والسلع المعفاة وعدم المطابقة مع المواصفات المحلية هي ممارسات تقوم بها بعض الدول الأعضاء بهدف تشجيع إعادة التصدير، ومن ثم حصر المنافع على رجال الأعمال المحليين والهياكل الأساسية المحلية مثل الموانئ والمطارات.
إن الأسلوب الأمثل لعلاج ذلك هو تشجيع المنافسة ورفع كفاءة رجال الأعمال في كل الدول الأعضاء، وتحسين خدمات الموانئ والمطارات وإجراء الفسح والتشغيل.
3 – فيما يخص حماية الوكيل أن هذا الموضوع مخالف لقواعد منظمة التجارة العالمية.
لذا فإن دول المجلس مدعوة للتقيد بالقواعد الدولية وتشجيع المنافسة وتخفيض الأسعار خدمة للمستهلك.
4- أما موضوع السلع الأمريكية المعفاة بموجب اتفاقيتي التجارة الحرة والمعاد تصديرها من كل من البحرين وعمان، فإن من الحلول التي يمكن طرحها النظر في إمكانية توقيع اتفاقية جماعية للتجارة الحرة بين دول المجلس من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. ففي الوقت الذي تجتهد فيه الولايات المتحدة حالياً في البحث عن حلفاء في ظل الاستقطابات الدولية، وفي ظل التفاهمات الحالية بينها وبين دول الجلس حول القضايا الأمنية والاستراتيجية، ونظراً للمكانة الاقتصادية التي تتبوؤها دول المجلس فإن الولايات المتحدة ستكون أكثر اندفاعاً لتوقيع مثل هذه الاتفاقية.
ثالثاً: استكمال السوق المشتركة التي تعني إضافة إلى تنفيذ كل من التجارة الحرة والاتحادالجمركي، استكمال تحرير حركة عناصر الإنتاج من عمل ورأسمال، ومن ثم تقريب أسعارها، أي التحرير الكامل للتجارة بالسلع والخدمات وعناصر الإنتاج، ومن ثم تحقيق المواطنة الاقتصادية، أي تحقيق المساواة التامة لمواطني دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين عندما يمارسون أنشطتهم الاقتصادية في أي دولة عضو مع مواطني تلك الدولة. وقد بدئ بالتطبيق التدريجي للمواطنة الاقتصادية في عام 1982؛ أي قبل البدء بإنشاء منظمة التجارة الحرة بعام واحد. وفي عام 2010 أصبح من حق مواطني دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين ممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية ومعاملتهم معاملة مواطني الدولة محل النشاط دون تفريق أو تمييز فيما عدا أربعة مجالات هي:
- خدمة الحج والعمرة.
- مكاتب استقدام العمال الأجانب.
- الوكالات التجارية.
- إنشاء المطابع ودور النشر والصحف والمجلات.
وفي حالة إقرار ما أوصينا به آنفاً بشأن عدم حماية الوكيل المحلي تطبيقا لقواعد منظمة التجارة العالمية، فإن المساواة الكاملة تتحقق عدا المجالات الثلاث المتبقية التي تعتبر هامشية إذا ما قيست نسبتها إلى مجموع النشاط الاقتصادي في الدولة.
رابعاً: توحيد العملة حيث أقر المجلس الأعلى في عام 2008 اتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي، على أن تبدأ العملة الموحدة في عام 2010. إلا أن انسحاب دولتين من هذا المشروع وتفجر الأزمة الاقتصادية المالية العالمية ألقيا بظلالهما على هذا المشروع. ولبث الحياة من جديد في هذاالمشروع الحيوي في ضوء مبادرة خادم الحرمين الشريفين– حفظه الله– يمكن إبراز بعض الاقتراحات:
1– لا يمكن الحديث عن اتحاد اقتصادي دون توحيد للعملة، ومن هذا المنطلق فإنه لا يمكن تصور وحدة نقدية ناجحة دون أن تكون ثاني دولة من حيث جحم الاقتصاد خارج هذا النظام. وطالما أن الخلاف مع الإمارات ليس منصباً على رفض الفكرة أو بعض مكوناتها فإن الجو السياسي والأمني يشجع على الوصول إلى تفاهم حول الموضوع.
2– إن الأزمة الحالية لليورو أثبتت ضرورة وجود صندوق أو برنامج أو التزام مالي من قبل جميع الدول الأعضاء الداخلة في اتفاق لتوحيد العملة، بحيث تستخدم هذه المراد لمساعدة الدول التي قد تتعرض لضغوط مالية جراء التزاماتها بشروط هذه العملة الموحدة. وسيكون هذا حافزاً إضافياً لصندوق النقد الدولي للمساعدة عند الحاجة كما أثبتت تجربة اليورو.
وتعد برامج التنمية التي تم الاتزام بها لكل من البحرين وعمان سابقة في هذا الاتجاه. وقد سبق لسلطنة عمان أن أبدت وجهة نظر أثبتت الأيام صحتها، وهي ضرورة وجود سند مالي من قبل بقية الدول الأعضاء لمساعدة أي دوله تتعرض لضغوط مالية جراء التزامها بشروط العملة الموحدة. فإذا ما تم الالتزام ببرنامج كهذا قد يشجع سلطنة عمان للانضمام للعملة الموحدة. وهناك تجمعات اقتصادية أقل ترابطاً فيما بينها من دول المجلس مثل مجموعة الآسيان التي أنشأت صندوقاً للاستقرار المالي بمبادرة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية بموارد تصل إلى 240 بليون دولار، على الرغم من أنها لم تدخل في ترتيب إنشاء عملة موحدة.

الإجراءات والآليات
من خلال خبرتي الطويلة في مجلس التعاون لاحظت أن الآليات والقضايا الإجرائية لتحقيق الأهداف تأخذ وقتاً أطول وجهداً كبيرا في أثناء المناقشات من قبل ممثلي الدول العضاء للوصول إلى اتفاق بشأنها أكثر من الأهداف نفسها. وقد لا يكون مجلس التعاون استثناء مقارنة بالمنظمات الجماعية الأخرى. وقد تكرر هذا الموضوع بكل أسف في الاجتماعين الأخيرين للهيئة المختصة التي كلفها القادة بتنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين.
إن المجلس الأعلى هو الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ القرارات وفقاً للنظام الأساسي للمجلس، ويتفرع عنه لجان وزارية ترفع له اقتراحاتها وتوصياتها عن طريق المجلس الوزاري. وتقوم الأمانة العامة بترتيب الاجتماعات وإعداد الدراسات لكل أنشطة ولجان المجلس. وأي قرار يتخذه المجلس لا بد أن يصدر به قرار تنفيذي من قبل السلطة المختصة في كل دولة عضو لكي يكتسب صفة الإلزام.
ولأن الانتقال من التعاون إلى الاتحاد سيتطلب في المجال الاقتصادي اتخاذ قرارات كثيرة وبشكل دوري وسرعة حل القضايا التي لا تزال عالقة، كما سبقت الإشارة فإنه يمكن النظر في المقترحات التالية:
1- إن أي قرار في إطار المجلس لا يكتسب صفة التنفيذ حتى يصدر به قرار تنفيذي من الجهة المختصة في الدولة العضو كما هو معمول به حالياً. وذلك للتأكيد على سيادة الدول في إطار الاتحاد.
2- عقد أربعة اجتماعات دورية للمجلس الأعلى (أي اجتماع واحد كل ثلاثة شهور) حتى يكتسب المجلس مزيداً من الحيوية ولا تتأخر القضايا أو تتضخم بنود جدول الأعمال.
3– إعطاء اللجان الوزارية حق اتخاذ القرار مع رفع تقارير بشأنها للمجلس الأعلى، وعدم إرهاق المجلس الوزاري (وزراء الخارجية) بإعادة مناقشة القضايا التي سبق أن أقرها الوزراء المختصون. وفي هذا الصدد يمكن إعطاء لجنة التعاون المالي (وزراء المالية) مزيداً من الصلاحيات وجعل اجتماعاتهم شهرية أسوة باللجنة الاقتصادية والمالية المكونة من وزراء مالية الاتحاد الأوروبي.
4– تحويل الأمانة العامة من مجرد سكرتارية إلى هيئة مشاركة في صنع القرارات وإعطائها تدريجياً صلاحيات فوق الوطنية أسوة بهيئة الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
5– الإسراع في إنشاء الهيئة القضائية التي سيوكل لها النظر في القضايا الخلافية في المجال الاقتصادي.

الخلاصة
من الاستعراض السابق يتضح أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالدعوة إلى الانتقال من التعاون إلى الاتحاد ما هي إلا تتويج لإنجازات المجلس خلال الـ31 سنة الماضية التي نقلت هذه العلاقة في المجال الاقتصادي إلى مراحل أكبر من مجرد التعاون إلى مستوى الشراكة، كما تثبت ذلك قرارات المجلس والإجراءات التي اتخذت لتنفيذها، بما في ذلك تغيير القوانين وتسهيل التجارة وتنقل المواطنين، وتنسيق الإجراءات. والمزيد من حرية انتقال رأس المال والاستثمار، والمواطنة الاقتصادية، والمشاريع المشتركة. وحتى تتحقق توجيهات القادة ورغبة الشعوب بالانتقال إلى مرحلة الاتحاد لا بد من الإسراع في استكمال خطوات الاتحاد الجمركي وإزالة جميع العقبات التي تحول دون ذلك، وإطلاق العملة الموحدة مع تشجيع الدولتين المتحفظتين على الانضمام بعد إيجاد ترتيب مالي لحماية هذه العملة الموحدة، ومساعدة أي دولة عضو قد تتعرض لضغوط مالية جراء تنفيذها متطلبات هذه العملة.
ولإدخال المزيد من الحيوية على عمل المجلس في المجال الاقتصادي، يقترح المزيد من الاجتماعات الدورية للمجلس الأعلى والمجلس الوزاري، وإعطاء صلاحية اتخاذ القرارات الاقتصادية للجنة التعاون المالي (وزراء المالية) أسوة باللجنة الاقتصادية والمالية لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي، وعدم إقحام المجلس الوزاري (وزراء الخارجية) بإعادة مناقشة القضايا التي اتفق عليها الوزراء المختصون، واكتساب الأمانة العامة تدريجياً سلطات فوق الوطنية أسوة بهيئة الاتحاد الأوروبي.
وتأكيداً لحكم القانون في المجلس يقترح الإسراع في إنشاء الهيئة القضائية التي تنظر في القضايا الاقتصادية الخلافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي