تحديث البيانات البنكية.. مطلب نظامي بمدلولات أمنية
شد انتباهي مقال للكاتب القدير عبد الله باجبير بعنوان ''البنوك واغتصاب البيانات''، الذي نشر في صحيفة ''الاقتصادية'' في العدد 6753، وأثار من خلاله العديد من التساؤلات حول أهداف البنوك السعودية من مطالبة عملائها بتحديث بياناتهم البنكية، والذي وصفه بنوع من الاغتصاب، واعتبره جريمة إرهابية في عالم البنوك السعودية فقط.
إن تحديث البيانات البنكية والمعلومات الشخصية لعملاء البنوك في السعودية، تحكمه أنظمة وقوانين وقواعد وتعليمات صادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، وهي الجهة الإشرافية الرقابية المسؤولة في السعودية عن الرقابة على أعمال جميع البنوك التجارية العاملة في السعودية، وفي هذا الصدد أصدرت المؤسسة قواعد تحكم فتح الحسابات البنكية وقواعد عامة أخرى تحكم تشغيلها في البنوك التجارية في المملكة في تحديثها الرابع الذي صدر هذا العام.
واشترطت تلك القواعد والضوابط بوضوح تام غير قابل للرفض أو للنقض، ضرورة أن تصاحب فتح الحسابات المصرفية البنكية بمختلف أنواعها، اتفاقيات توضح الالتزامات والحقوق بين البنك وصاحب الحساب البنكي، إضافة إلى تقديم مستندات إثبات للهوية (سارية المفعول) لصاحب الحساب، على أن تكون جميع تلك المستندات صادرة من جهات رسمية مثل بطاقة الهوية الوطنية الصادرة عن إدارات الأحوال المدنية بالنسبة للمواطن السعودي، ودفتر الإقامة بالنسبة للأشخاص الأجانب المقيمين إقامة نظامية في المملكة.
من بين أهم الاشتراطات التي ألزمت قواعد تشغيل الحسابات البنكية في البنوك العاملة في المملكة باتباعها، لاستمرار تشغيلها نظامياً من قِبَل أصحابها، تحديث بيانات تلك الحسابات، حيث تبدأ عملية التحديث بتحديد هوية العميل في بداية التعامل، ثم يتبع ذلك كعملية رقابية، بل يجب على البنوك أن تطلب من جميع عملائها تحديث قاعدة معلومات الحساب المحتفظ به البنك حسب الحالات والمدد المحددة في هذه القواعد أو كل خمس سنوات بحد أقصى للظروف والحالات الاستثنائية. ويشمل تحديث البيانات البنكية أيضا تحديث المعلومات الشخصية لصاحب الحساب، مثل: العنوان البريدي، ونموذج التوقيع، ومصادر الدخل (الرئيسة والإضافية)، بما في ذلك معلومات مَنْ يعمل نيابة عن العميل.
كما قد حددت تلك القواعد وأكدت على البنوك ضرورة أن تضمن في استمارة فتح الحساب، والعلاقات التعاقدية، والخدمات التي تقدمها للعميل، وحق البنك في تجميد التعامل على الحساب عند انتهاء سريان مفعول هوية العميل، وعدم قيامه بتحديث بياناته ومعلوماته المالية والشخصية، والعناوين، ومصادر الأموال، والتوقيع أو التواقيع.
وقد أوجبت تلك القواعد على البنوك كذلك ضرورة أن تشعر عملاءها بتاريخ تجميد الحساب قبل شهر على الأقل من تاريخ التجميد، وأن تضع البرامج والإجراءات والوسائل والطرق المحققة لذلك لكل عميل أو مفوض على حسابات العميل، وذلك بصفة مستقلة لكل عميل، وتوثيق هذه السياسة والعمليات التطبيقية.
كما قد فرضت تلك القواعد على البنوك العامة التجارية العاملة في المملكة، تطبيق معايير مبدأ ''اعرف عميلك'' التي توجب تعامل البنوك مع العملاء بموجب الأسماء الواردة في الهويات والوثائق الرسمية سارية المفعول، ومنع البنوك من فتح أو الاحتفاظ بأي حساب مجهول الاسم أو يحمل اسماً وهمياً أو زائفاً أو غير صحيح، كما قد منعت تلك القواعد البنوك من التعامل أو فتح أو تشغيل أو الاحتفاظ بأي حساب رقمي. هذا، وفي حالة تقدم عميل ما لفتح حساب أو بدء علاقة مصرفية، وتعذر فتح حساب له لوجود شكوك تتعلق بمعايير ''اعرف عميلك''، فإنه يجب على البنك عدم السماح بفتح الحساب أو بدء العلاقة أو تنفيذ أي عمليات عليه، وكذلك الإبلاغ عما تم الاشتباه فيه وملاحظته لوحدة التحريات المالية التابعة لوزارة الداخلية.
خلاصة القول إن عملية تحديث البيانات البنكية والمعلومات الشخصية لعملاء البنوك، تحكمها ضوابط وقواعد نظامية صادرة عن السلطة التشريعية والرقابية في السعودية، والمتمثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي، التي تفرض على البنوك التجارية العاملة في المملكة التقيد بتلك القواعد والتعليمات، وعدم مخالفتها تحت أية ظروف ولأية أسباب أو مبررات كانت، وإلا عرضت البنك المخالف للعقوبات والجزاءات النظامية الصادرة في هذا الشأن.
كما أن إصدار مؤسسة النقد العربي السعودي مثل تلك القواعد والضوابط، التي تحكم فتح الحسابات البنكية وتشغيلها، بما في ذلك المعايير الخاصة بمبدأ ''اعرف عميلك''، ليس من باب التعجيز والإثقال على عملاء البنوك، بقدر ما هي لحمايتهم وضمان شرعية فتح حساباتهم المصرفية ونظامية تشغيلها، لا سيما في ظل انتشار الجرائم الاقتصادية والمالية على مستوى العالم، والتي من بينها - على سبيل المثال لا الحصر - عمليات غسل الأموال، إضافة إلى عمليات الاحتيال المالي والمصرفي، التي تستوجب أخذ جميع التدابير الاحترازية والحيطة والحذر لدى التعامل مع الحسابات المصرفية، بغرض توفير الحماية اللازمة للحسابات المصرفية بشكل عام ولأصحاب تلك الحسابات بشكل خاص.
من هذا المنطلق، فإن مطالبة البنوك عملاءها بتحديث بياناتهم البنكية ومعلوماتهم الشخصية وتشددها في ذلك، له بكل تأكيد مدلولات أمنية لحمايتهم، وليس - كما أشار الكاتب القدير - أنه من باب الاغتصاب للبيانات وجريمة من جرائم الإرهاب في عالم البنوك السعودية فقط.