النموذج الاقتصادي السعودي.. مفتاح التنمية المتوازنة

مازال المفكرون الاقتصاديون السعوديون يسعون إلى بناء نموذج اقتصادي سعودي يساعد كثيرا في تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة.
ولقد بات واضحا أن الإنفاق على صيغة للنموذج الاقتصادي السعودي يحتاج إلى ورشة عمل تجمع كل أصحاب الرأي والفكر الاقتصادي للتوصل إلى تعريف محدد للنموذج الاقتصادي المأمول.
ولا نخفي أن أهم ما يعانيه اقتصادنا الوطني هو اعتماده على مصدر وحيد للدخل، ولقد ظلت خطط التنمية تضع في صدر أهدافها الرئيسة منذ الخطة الأولى 1970 حتى الخطة التاسعة.. تضع هدف ''تنويع مصادر الدخل'' في صدارة أهدافها، ولكن الدخل الرئيس - حتى بعد مرور نحو نصف قرن - لا يزال يأتي من البترول.
ونستطيع أن نقول إن ما يتعرض له البترول من تحديات وهو المصدر الرئيس للدخل، هو بمثابة أسباب كافية لاتخاذ خطوات عاجلة لتصميم نموذج اقتصادي يكون بمثابة البوصلة التي نرى من خلالها كل الظروف المحيطة بمراحل نمو اقتصادنا الوطني، وبالتالي نستطيع أن نتعامل مع المستجدات ونتخذ الخطوات باتجاه المشاريع والبرامج الكفيلة بمواصلة تحقيق معدلات النمو المستهدفة ، ليس من خلال البترول فقط وإنما من خلال مجموعة من الموارد الطبيعية والبشرية التى أصبح البحث فيها ضرورة يجب أن يتضمنها النموذج الاقتصادي المأمول.
ومن هنا بدأنا نستشعر أهمية بناء نموذج ذكي للاقتصاد السعودي يأخذنا إلى حيث مرابض أهدافنا التي تتضمن أجندتها تنويع مصادر الدخل، والاستثمار في الطاقة النظيفة، والتأسيس لنظام مالي عصري، ونظام استثماري واسع الأرجاء، كذلك يجب أن تتضمن أجندة النموذج إعادة هندسة الإدارة السعودية بشقيها العام والخاص.
وبهذا المعنى فإن التعريف الذي نطرحه للنموذج الاقتصادي السعودي هو أنه مجموعة الإمكانات والمؤشرات اللازمة لتوفير أسباب دعم النظام الاقتصادي والارتفاع بجاهزيته وكفاءته في شتى الظروف حتى يكون قادرا على حماية المكتسبات التنموية، والحيلولة دون الانحراف عن تحقيق المعدلات الأعلى للتنمية المستدامة.
إن المملكة العربية السعودية تأخرت كثيرا في تأسيس نموذجها الاقتصادي والذي يجب أن يجمع بين فعالية اقتصاد السوق وتحقيق دور أكبر للعدالة الاجتماعية، بمعنى أنه يجب ألا يكون التركيز فى هذا النموذج على تحقيق الربحية دون تحقيق المنفعة المشتركة لقطاع الأعمال والمجتمع.
والسؤال القضية هو: إلى أي مدى أسهمت موارد النفط والاستثمارات الوطنية والأجنبية - طوال العقود الأربعة الماضية - في تكوين قطاعات إنتاجية تعبر عن تماسك محركات اقتصادنا الوطني في مواجهة أي ظروف صعبة، وهل القطاعات غير النفطية - بإمكاناتها الحالية - قادرة على إدارة الاقتصاد الوطني فيما لو طرأت ظروف اقتصادية خفضت من أسعاره، أو لاحت ظروف سياسية َنقّصت من إنتاجه، أو جَدّتْ ظروف عسكرية أفقدته قيمته ووزنه الاقتصادي كالظروف التي يمر بها الآن ممر مضيق هرمز؟
إن المطلوب من المملكة العربية السعودية وشقيقاتها دول الخليج مباشرة تصميم نموذج اقتصادي يعتمد على نوعية النمو وليس فقط معدلاته، لأن نوعية النمو تشمل جميع طبقات المجتمع وليس طبقة بعينها، فاقتصادات الدول الناشئة مثل تركيا والبرازيل وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا نجحت في إيجاد موطئ قدم لها بين أقوى اقتصادات العالم، حيث اضطرت هذه الدول الناشئة إلى تبني سياسات تقشفية صارمة لسنوات عدة حتى تصل إلى هدفها، بينما المملكة العربية السعودية قادرة على التحول تدريجيا إلى نموذجها الاقتصادي، مدعومة بفوائضها البترولية الهائلة التي ستساعدها في تجاوز أي أزمة قد تتعرض لها وهي تأخذ بأسباب بناء النموذج الذكي.
إن النموذج الاقتصادي الذي نقصده يجب أن يكون من الوضوح بحيث يتيح رؤية المشهد الاقتصادي والاجتماعي بكل أطرافه ومن جميع الزوايا والاتجاهات، وعلينا أن نتثبت من أن هذا النموذج قادر على الاستجابة لكل المتطلبات التنموية حتى الانتقال بالتنمية إلى مرحلة التنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار فالخليجيون يحتاجون إلى تصميم نموذج اقتصادي يعبّر عن هوية الاقتصاد الخليجي ويكون بمثابة المنهج في تنفيذ السياسات الاقتصادية الخليجية.
إن التدريب والتعليم وكل ما يتصل به من مؤسسات وبرامج وفعاليات يبقى ركنا أساسيا وثابتا في منظومة تنمية الموارد البشرية مع التوجه نحو استخدام التكنولوجيا على نطاق واسع. كما أن خطط التدريب والتعليم يجب أن تتضمن غرس القيم المتصلة بالجاهزية والانضباط بما يتمشى مع الأنماط الثقافية السائدة في أسواق العمل في الدول المتقدمة. ولذلك فإننا مطالبون بإدخال تعديلات جوهرية على أنظمة التدريب والتعليم التي ظل دورها محدودا في تجهيز السعوديين والخليجيين لسوق العمل، كذلك تبرز الحاجة إلى وضع برامج توعوية تبرز أهمية العمل وقدسيته خصوصا الأعمال الفنية والحرفية التي لا تزال أعداد كبيرة من الخليجيين يعزفون عنها، ويستنكفون القيام بها.
إن وضع الخطط اللازمة لتحقيق تنمية حقيقية في الموارد البشرية في منطقة الخليج هو المدخل العلمي للتعامل مع مشروع النهضة النمورية.
ان الموهبة في القرن 21 ستكون هي الثروة الحقيقة، وإن الابتكار ليس خيارا، وإنما هو وسيلة الإدارة لتطوير الأعمال، وإن الاستمرار في هذا السبيل يقود إلى بناء نموذج اقتصادي خليجي نحن أحوج ما نكون إليه الآن أكثر من أي وقت مضى.
إن بناء ثقافة تقدير المهارات الفنية أمر بالغ الأهمية ونحن على طريق بناء النموذج الاقتصادي، لأن تطوير الاقتصاد الخليجي يحتاج إلى مهارات من أجل توفير بنية الإبداع والابتكار، كما أن تحسين ظروف العمل والأجور ومزايا الضمان الاجتماعي في منطقة الخليج سيساعد بصورة كبيرة على جذب الأيدي العاملة الوطنية للعمل.
وإذا كان بإمكاننا أن نقول الآن إن المملكة العربية السعودية (ودول الخليج) في مأمن من تأثير أزمة اليورو، فالإيرادات الهائلة التي وفرتها أسعار النفط القياسية، ستساهم في استيعاب الصدمات الخارجية، ولكننا نرد ونقول إن استيعاب هذه الصدمات سيكون مؤقتا، أما إذا صدق المراقبون وضرب الاقتصاد العالمي كساد كبير ــ لا سمح الله ــ فإن الكساد العالمي سيقترب من النفط ، وسيؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط فى الأسواق العالمية مما يضع اقتصادات الدول النفطية التي لم تصمم نموذجا اقتصاديا في مأزق حقيقي وخطير، بمعنى إذا كان الاقتصاد السعودي ينفق فوائضه النفطية ــ عاما بعد عام ــ دون تصميم نموذج اقتصادي يحمي مدخرات الأجيال القادمة، فهذا أمر لا شك أنه يتهدد مستقبل وطن بأكمله.
إن المشروع الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والقاضي بتحويل ''التعاون'' إلى ''اتحاد'' خليجي، سيساعد كثيرا في التوصل إلى وضع صيغة لنموذج اقتصادي خليجي على درجة عالية من الذكاء وما يحتاج إليه الخليجيون الآن هو شحذ الهمم والإرادة واتخاذ المبادرة التاريخية العاجلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي