اقتصاد المملكة وتصنيفها الائتماني
تأتي محافظة السعودية على تصنيفها الائتماني السيادي المرتفع (-AA) لمديونية العملة المحلية والأجنبية طويلة المدى ونظرة مستقبلية مستقرة، الذي منحته لها مؤسسة التصنيف العالمية ''فيتش''، ليؤكد على متانة الاقتصاد السعودي بجميع مكوناته وأجزائه، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة، التي اجتاحت معظم اقتصادات دول العالم، وتسببت في إفلاس وانهيارات أنظمة مالية عديدة.
استندت وكالة ''فيتش'' العالمية في تصنيفها للاقتصاد السعودي، وبالتحديد في قدرة المالية العامة للدولة على التعامل بكفاءة عالية مع المديونية بالعملة المحلية والأجنبية طويلة المدى، على عدة اعتبارات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قدرة المملكة على التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية، وبالذات في التقليل بقدر الإمكان من تأثيراتها المباشرة على أداء الاقتصاد، بما في ذلك المالية العامة للدولة، وعلى وتيرة النمو الاقتصادي المستقر والمنتظم، الذي لا تزال تنعم به السعودية رغم الصعوبات التي طالت معظم اقتصادات دول العالم، بما في ذلك اقتصادات دول العالم المتقدم.
السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الحكمية، التي اتبعتها الحكومة السعودية في التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي حلت بالعالم في منتصف عام 2008، وما تبعها من أزمات مالية عدة مثل الأزمة الأوروبية وغيرها، مكنت المملكة من تعزيز الاستقرار المالي، بما في ذلك الاستمرار في تحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث قد شهد الاقتصاد السعودي على سبيل المثال في عام 2011 انتعاشاً كبيراً غير مسبوق، بتسجيله نمواً اسميا بلغ نحو 28 في المائة، في حين سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً في الأسعار الثابتة بلغ 6.8 في المائة، بالرغم من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، التي شهدتها عدة دول في منطقة الشرق الأوسط تحت مظلة ما يسمى بالربيع العربي.
من بين الأسباب أيضاً التي استندت إليها مؤسسة ''فيتش'' في منحها التقييم المالي المرتفع للمملكة، خفض مستوى الدين العام إلى مستويات متدنية للغاية نسبة إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بلغت نحو 6.8 في المائة نهاية العام الماضي، إضافة إلى الاستمرار في بناء احتياطيات مالية كبيرة، عززت من قدرة المملكة المالية المستقبلية على مواصلة النمو الاقتصادي بوتيرة مستقرة، بعيداً عن المفاجآت والتأثيرات المالية السلبية المحتملة، ولا سيما أن المملكة قد التزمت في وقت برصد مبلغ 400 مليار دولار أمريكي لمواجهة النفقات الإضافية المرتبطة بتنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية المختلفة للمملكة.
من بين الأسباب كذلك التي مكنت المملكة من المحافظة على هذا التقييم المالي المرتفع، الارتفاع الملحوظ الذي صاحب عائدات النفط نتيجة للتحسن المضطرد في أسعار النفط العالمية خلال سنوات ما بعد الأزمة المالية العالمية، ما مكن المملكة من بناء مدخرات مالية كبيرة، وتحقيق فوائض مالية ضخمة في موازناتها المالية، حيث على سبيل المثال، توقعت الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1423/1433 تحقيق المملكة فائضا ماليا في صافي الإيرادات يقدر بنحو 306 مليار ريال.
بكل تأكيد هذا التقييم المالي المرتفع، الذي منحته مؤسسة ''فيتش'' العالمية، لا يقلل بأي حال من الأحوال من التحديات الحالية والمستقبلية المحتملة، التي سيواجهها الاقتصاد السعودي، والتي أشار إليها المسؤولون الحكوميون في أكثر من مناسبة رسمية، وتأتي في مقدمتها وعلى رأسها قدرة المملكة على المحافظة على مستويات ضغوط تضخمية معقولة في ظل سياسة الإنفاق التوسعية التي تنتهجها الحكومة، إضافة إلى معالجة عدد من القضايا الاقتصادية والتنموية والاجتماعية المهمة، التي من بينها على سبيل المثال، قضايا الإسكان والبطالة. كما أن من بين التحديات التي قد تواجه الاقتصاد السعودي، وفقما أشارت مؤسسة ''فيتش'' التراجع المحتمل في أسعار النفط العالمية، والذي يمثل قلقاً حقيقياً بالنسبة إلى المالية العامة للدولة، التي لا تزال تعتمد وبشكل كبير جداً على إيرادات النفط، حيث على سبيل المثال، شكلت الإيرادات النفطية من إجمالي إيرادات الدولة العامة في عام 2011 نحو 93 في المائة، ما يؤكد على أن المملكة لا تزال تعتمد على إيرادات النفط في الإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية، وبالذات الضخمة منها، مثل مشاريع الإسكان وخلافه.
خلاصة القول، إنه وعلى الرغم من محافظة المملكة على تصنيف سيادي مرتفع للديون بالعملة المحلية والأجنبية طويلة المدى، بما في ذلك نظرة مستقبلية لأداء الاقتصاد والمالية العامة (مستقرة)، نتيجة لانتهاج الحكومة السعودية سياسات مالية ونقدية حكيمة، مكنتها من تجاوز العديد من الأزمات المالية العالمية، إلا أن ذلك لا يقلل بكل تأكيد من عدد من التحديات، التي يوجهها الاقتصاد السعودي، سواء كان ذلك في الحاضر أم في المستقبل، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قضايا البطالة والإسكان، إضافة إلى الاستمرار في السياسات الرامية إلى تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، وتقليل الاعتماد بقدر الإمكان على عائدات النفط لتغذية المالية العامة للدولة.
من بين التحديات المستقبلية أيضاً، التي تواجه الاقتصاد السعودي، وفقما أشار إلى ذلك وزير الاقتصاد والتخطيط في اللقاء الذي جمعه أخيراً برجال الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، القدرة على التطوير النوعي للقوى البشرية الوطنية كمرتكز أساسي للتنمية، وبالذات في ظل الأوضاع العالمية الراهنة التي تتنامى فيها اتجاهات العولمة الاقتصادية والاتجاه نحو الاقتصاد المعرفي.
ولكن ما يقلل من تلك التحديات وغيرها، هو إصرار الحكومة السعودية على استمرارها لتنويع القاعدة الاقتصادية والتحول نحو الاقتصاد المعرفي، إضافة إلى المعالجة الجادة لعدد من القضايا، التي تعوق التنمية في المملكة مثل قضية البطالة وغيرها.