أمير الرياض يعيد الشباب إلى نسيج المجتمع السعودي

يأتي صدور أمر الأمير سطام بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، القاضي بالسماح للعزاب من الشباب بالدخول إلى الأسواق والمجمعات والمراكز التجارية في منطقة الرياض، بناء على توصية من لجنة ثلاثية مشكلة من وكيل الإمارة للشؤون الأمنية، ومدير فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة الرياض، ومدير شرطة الرياض، خطوة رائدة في الاتجاه الحضاري والاجتماعي الصحيح لإعادة الشباب السعودي إلى النسيج والتركيبة الطبيعية للمجتمع السعودي، وبالذات في مجتمع مثل المجتمع السعودي، الذي يغلب على معظم تركيبته الشباب، إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 60 في المائة من تركيبة المجتمع السعودي هم من الشباب أقل من 30 عاما.
اللجنة التي رفعت توصيتها للأمير سطام، وفقاً لما تناقلته وسائل الإعلام المحلية التي أوردت الخبر، استندت في توصيتها إلى ظهور العديد من السلبيات الناتجة عن منع الشباب من دخول الأسواق والمجمعات التجارية، التي من بينها على سبيل المثال، تجمع الشباب خارج هذه المجمعات ومضايقة النساء والأسر، ولكن استثنت اللجنة من توصيتها الشباب الذين يتسببون في إرباك الأمن، مؤكدة في ذلك أن يقتصر المنع في مثل هذه الحالات على من تسببوا بالمخالفة فقط وليس على الجميع.
من بين السلبيات أيضاً لمنع الشباب من دخول الأسواق والمراكز التجارية، العمل على خلق عزلة مجتمعية غير مرغوب فيها، يمكن أن تتسبب في إحداث فرقة وتفكك في نسيج المجتمع السعودي، وتوليد الحقد والنقمة بين طبقات المجتمع، وبالذات بين الشباب وغيرهم، الأمر الذي يتنافى تماماً مع توجهات الحكومة ومع النظام الأساسي للحكم، الذي أكدت مواده على الوحدة واللحمة الوطنية، كما نصت على سبيل المثال، المادة الثانية عشرة من النظام على أهمية تعزيز الوحدة الوطنية، والذي اعتبرته المادة المذكورة واجبا، كون الدولة تمنع كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام.
تباينت آراء المتسوقين وأصحاب المحال والمراكز التجارية حول انعكاسات ونتائج قرار السماح للعزاب بدخول الأسواق والمراكز التجارية، وبالذات على المستوى الاقتصادي والتجاري، والاجتماعي أيضاً، حيث اعتبر البعض أنه سيكون للقرار انعكاسات سلبية للغاية على الأداء المالي والتجاري للأسواق والمراكز التجارية، وبالذات التي ترتادها النساء والعائلات، كونهم ربما سيواجهون بمضايقات وتحرشات من الشباب، ستنعكس سلباً على رغبتهم وقدرتهم على التسوق في الأسواق والمراكز التجارية التي يرتادها الشباب، الأمر الذي سينعكس بدوره على الأداء المالي لتلك الأسواق، وبالذات بالنسبة للأسواق التي تتخصص في بيع لوازم النساء ولوازم الأطفال.
نتيجة تخوف بعض أصحاب الأسواق العامة والمراكز التجارية في الرياض من خسارة عملائها من النساء والعائلات، استمر عدد منهم في منع العزاب والشباب من الدخول رغم صدور القرار، مبررين ذلك بأن تصرفات بعض الشباب قد تتسبب في مضايقة النساء والعائلات ونفورهم من الأسواق، مما سيتسبب آجلاً أم عاجلاً في انخفاض المبيعات والنتائج المالية لتلك المراكز والأسواق.
رغم ذلك التخوف والتوجس، عبّر عدد من الشباب عن فرحتهم الغامرة بقرار أمير منطقة الرياض، واعتبروا أن دخولهم إلى الأسواق العامة والمراكز التجارية حق مشروع لهم، خصوصا أنه يتم بشكل نظامي، وأن دخول الأسواق لا يقتصر على فئة معينة دون أخرى، وإنما هي مفتوحة للجميع وكما هو معمول به ومطبق في بقية دول العالم، شريطة ألا يتسبب ذلك في الإخلال بقواعد السلوك العام أو الآداب العامة.
بهدف تفادي حدوث مثل هذا القلق والتخوف الذي لحق ببعض أصحاب المراكز التجارية بما في ذلك المتسوقون من النساء والعائلات نتيجة لتطبيق القرار، رأى البعض أنه كان من الأفضل تطبيق القرار بشكل متدرج، ليشمل مثلاً في البداية عدداً من المراكز والأسواق التجارية، وأن يسمح لدخول الشباب في أوقات معينة ومحددة، التي لا يكون فيها إقبال وتواجد كبير للنساء والعائلات، إلى أن يتعود الناس وأفراد المجتمع على هذه النقلة الحضارية والانفتاح الاجتماعي، ولا سيما أن البعض يرى أن حيثيات القرار والتوصية باتخاذه غير مبررة وغير واضحة، حيث كيف كان بالأمس القريب يمنع دخول الشباب إلى الأسواق واليوم يسمح لهم، فما الذي تغير؟
التغلب على السلبيات المحتملة للسماح للعزاب من الشباب بالدخول إلى الأسواق والمجمعات والمراكز التجارية، يتطلب وضع ضوابط وقوانين وشروط تتعلق باحترام قواعد الآداب العامة بجميع الأسواق، بما في ذلك لائحة تحدد الجزاءات والعقوبات المترتبة على المخالفين، التي قد تصل إلى التشهير بهم في وسائل الإعلام المحلية. كما أن لوسائل الإعلام المحلية والمساجد دوراً كبيراً في توعية الشباب بالمحافظة على السلوك العام والالتزام بالآداب العامة، ولعلي أقترح في هذا الخصوص استحداث فرع جديد لاختصاصات مراكز الشرطة في المملكة، حيث يكون من بين مهامها واختصاصاتها، التأكد من مراعاة أفراد المجتمع للسلوك العام والآداب العامة (آداب الشارع)، وكما هو مطبق ومعمول به في عددٍ من دول العالم المتقدم، كما أن إنهاء مجلس الشورى وفقما ورد في صحيفة "الاقتصادية" في العدد 6740 للمسودة النهائية الخاصة بقانون جديد لمكافحة التحرش الجنسي، يُعنى بتصنيف المخالفات ويحدد العقوبات والغرامات لكل مخالفة، سيعمل بكل تأكيد على القضاء على مشكلة التحرش الجنسي، التي تعانيها جميع مجتمعات العالم ولكن بنسب متفاوتة، ولاسيما في المملكة حيث أصبحت الحاجة ملحة لإقرار مثل هذا القانون، وخصوصاً مع دخول المرأة لمجالات عمل أوسع والتوجه الأخير للسماح للشباب بدخول الأسواق والمجمعات التجارية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي