التسويق الغائب

"أول هدف أحرزته في ستاد ماراكانا كان عمري 16 عاما، ولم أره إلا في فيلم لأول مرة" .. هذه الكلمات للأسطورة بيليه، انطلق منها الحس الاستثماري للمصادقة والتوقيع على تجربة ومسيرة جوهرة البرازيل الحافلة بالأرقام والإنجازات والتألق في كتاب من 750 صفحة، وبسعر ثلاثة آلاف دولار للنسخة الواحدة، ثم تحولت حبكة هذه السيرة الذاتية المكتوبة إلى سيناريو فيلم وثائقي يعرض في متحف نيويورك للفن الحديث.
هذه السيرة الثرية بالتأكيد تبعتها سير أخرى لمشاهير ساروا على هذا النهج الاستثماري الذي أرى أنه يشكل مصدر دخل ثابت لهؤلاء النجوم، ويسهم في حفظ أدق تفاصيل تاريخهم الرياضي، ونقل تجربة النجومية إلى الآخرين، وفتح آفاق التواصل بين المشاهير ومعاصريهم ومن أتى بعدهم، ولذلك رأينا مارادونا هو الآخر يدوّن مسيرته الرياضية في كتاب "أنا.. دييجو" الذي حقق مبيعات عالية في الأرجنتين، وكذلك إبراهيموفيتش الذي تجاوزت مبيعات سيرته 500 ألف نسخة.
هذا تاريخهم الثري وتلك أفكارهم الاحترافية التي تجسَّدت في سير ذاتية استثمارية وأفلام وثائقية، وما إن تطرأ على ذاكراتنا الشحيحة بالمعلومات التاريخية إلا ونستذكر معها على الطرف الآخر أندية ولاعبين أسهموا في تطوير رياضتنا، ومع ذلك ظلت تجاربهم الإبداعية داخل المستطيل الأخضر بمنأى عن هذه المشاريع التسويقية المربحة.
المشكلة أن التطلع الاستثماري لديهم يقابله زهد وقصور تسويقي لدينا، فالأندية مقصرة في الترويج لنفسها، على الرغم من أهمية ذلك في مضاعفة مواردها، وحفظ تاريخها، وتأكيد شعبيتها الجماهيرية، أما اللاعبون فلم يسعوا إلى ذلك وكان جل ما صدر عنهم بمثابة نشرات لا تليق بنجوميتهم، وإذا كان النجم الكبير ماجد عبد الله - أحد أبرز المنتجات الاستثمارية الرابحة في كرتنا ــــ يتكئ على معلومات تاريخية مقتضبة ظلت أسيرة لتوثيق اللاعب الشخصي واجتهادات بعض المؤرخين، وربما وصل الأمر إلى الاستعانة بالمشجعين أحياناً أخرى، فإنني أضع أكثر من علامة استفهام على غياب هذه القناة الاستثمارية المهمة!
على هذا الأساس متى تعي أنديتنا ولاعبونا أهمية استثمار ذكرياتهم ومسيرتهم الجميلة، وجعلها رافداً إضافياً لمتاجر الأندية وشركائها الحصريين؟ وما مستوى التنسيق في هذا الخصوص بين الأندية والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي أصبحت تهتم بتنمية موارد الأندية المالية وزيادة مداخيلها، ولا سيما بعد استحداث لجنة الاستثمار التي يرأسها الأمير عبد الله بن مساعد، والتوقيع أمس مع شركتي "ديتلويت" و"إس إن آر دنتون" لدراسة عملية خصخصة الأندية الرياضية السعودية؟ وهل تملك إدارات الأندية الفكر الاستثماري الذي يمكن أن يصل بها إلى مستوى تسويقي مربح يستهدف تنمية موارد كل عنصر من عناصر لعبة كرة القدم؟
في تصوري المسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف المعنية، فالنادي مسؤول، واللاعب يجب أن يكون على قدر عال من الاحترافية، والأنظمة ضرورية في هذا المجال، والجهات الأخرى المتخصصة في التوثيق والرصد شريك أساسي، ومن البدهي أن تفرِّق بين ما يسوَّق وما لا يسوَّق، ومتى ما توافرت متطلبات التوثيق وشروط الكتابة والرصد فإننا سنكون أمام مصدر ثراء إضافي يسوِّق منتجات الأندية واللاعبين في منصات معرض الكتاب ودور النشر الخليجية والعربية والقنوات الفضائية وزوايا متاجر الأندية .. فهل من مبادر؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي