مارادونا والعمى الرياضي

ماذا لو قال أسطورة الكرة السعودية ماجد عبد الله إن الهلال فرض هيمنته وسيطرته على البطولات طيلة السنوات الماضية، لأن مستوى الفرق في الدوري السعودي قد انخفض.. من الطبيعي ومن حق ماجد أن يعبر عن رأيه، ومن الجميل أن هذا الرأي سيخضع لمجهر النقد الرياضي بين مؤيد ورافض، فحلاوة الرياضة ومتعتها الاختلاف، وتعدد الآراء والاختلاف في وجهات النظر ثراء فكري، وهنا لا مشكلة في هذا الاختلاف المثمر ما دام في إطار الأخذ والرد اللائق والرزين، لكن ما رأيكم لو سلك هذا الحوار مسلك القمع الرياضي الذي يقصي فيه كل صاحب رأي الرأي الآخر على طريقة ''نكسر روسكم'' أو ''مكروه من الجميع'' التي صدرت من بعض مديري المراكز الإعلامية أخيرا.. هنا وإزاء هذا التطرف النقدي الحاد اسمحوا لي بأن أستعين بالنقد الثقافي للفصل في هذه المسألة.
بالطبع لن أعلن موت النقد الرياضي الذي يستعين بالنظرة الفنية وتذوق جماليات كرة القدم وطرائقها التدريبية المختلفة على غرار رؤية أحد المثقفين عندما أعلن موت النقد الأدبي ببيانه ومعانيه وبديعه، ليحل النقد الثقافي محله.. لكن ما الذي يمنع من أن نأخذ بهذين النوعين من النقد، فالأول جمالي يتذوق الفن الكروي الرفيع، والآخر أخلاقي يحترم وجهات النظر ولا يسفه الآخرين.
تعزيز هذا الطرح الافتراضي المذكور يتمثل في حوار للأسطورة الأرجنتيني مارادونا في جريدة ''سبورت 360 '' الإماراتية الصادرة باللغة الإنجليزية مطلع هذا الأسبوع، حيث يقول: ''برشلونة هو الأفضل بالتأكيد من بين فرق العالم في هذا التوقيت، لكنه ليس الأفضل تاريخياً فقد رأيت العديد من الفرق بنفسي قدمت عروضاً أفضل من برشلونة.. رأيت فرقا عديدة تلعب بشكل جيد٬ ولكن بالنسبة لي فإن منتخب هولندا في مونديال 1974 كان الأفضل على مر التاريخ.. كان عمري 14 عاما حينما شاهدته لأول مرة، وشعرت بأنهم يلعبون دون ملامسة العشب، الأمر كان يبدو كما لو أن الفريق كان قادرا على لمس الكرة قبل أن تصل إلى اللاعبين، كما لو كانت لديهم عيون خلف رؤوسهم''.
ثم يواصل مارادونا حديثه عند النقطة الجوهرية التي ربما شكلت حساسية الاختلاف بقوله: ''ربما ترجع هيمنة برشلونة الحالية كون مستوى باقي الفرق في العالم بصفة عامة قد (انخفض)...''.
هذه الآراء الرياضية الصادرة من مارادونا تنطلق من قناعاته ونظرته الخاصة، وحتى لو كانت قاسية لمتذوقي فن البرشا الذين يختلفون معه كثيراً فإن احترامها مطلوب، ويتعين علينا أن نجعلها قاعدة تؤسس لحوار هادئ ومقنع بعيدا عن لغة التحقير والتهميش والاستبداد... إلى غير ذلك من المصطلحات التي تئد آراء الآخرين وتقتلع جذور الاختلاف البناء، كما في أغلب الحوارات والمناقشات الرياضية الساخنة لكل ما يخص أنديتنا ومنتخبنا ولجاننا، فأسطورة الأرجنتين أعلن احترامه الكبير لبرشلونة حالياً، لكنه فضّل فرقة كرويف عبر سرد يعيد القارئ إلى تفاصيل ذلك المنتخب الرائع والأفضل على مر التاريخ، وعلى هذا الأساس ينبغي احترام وجهة نظر مارادونا عندما حلّل أسباب هيمنة البرشا دون إقصاء لرأيه أو تجاهل هذا الفريق أو ذاك المنتخب.
إن سياسة قمع الآراء المخالفة في وسطنا الرياضي أصبحت هي القول الفصل في معظم القنوات الفضائية والمنتديات الرياضية وساحات الإعلام الجديد، وإذا أردنا القضاء على هذا الفكر الذي ترسخت فيه ''الأنا'' الاستبدادية التي تنتصر لآرائها دون استيعاب للآخرين فعلينا أن نستبدل العمى الرياضي بـ''البصيرة الرياضية'' التي توائم بين الآراء المخالفة بنظرة فنية واحترام، وبعيداً عن نسق التقزيم والتحقير.. وحينها ثقوا بل تأكدوا أن رياضتنا وإعلامنا ونقادنا ما زالوا بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي