التراث والآثار والأهمية الاقتصادية
عندما كتبت في مقال سابق عن أهمية الآثار والتراث ودعوت الهيئة العامة للسياحة والآثار للاهتمام بها وعدم السماح لها بأن تطيح على أساس أنها إذا طاحت راحت، أي إذا سقطت وهدمت فإن استعادتها لا يمكن أن تتحقق وفقا للمعايير الدولية التي يتم تصنيف الآثار وفقا لها، ومع الأهمية الحضارية الاجتماعية للآثار والتراث، وأنها استمرار لعبق الماضي والملهم للمستقبل. وكما يكرر دائما علماء الآثار أن من يطلق مسدسه على آثار الماضي فإنه كمن يطلق مدفعا على مستقبل العمران، وهي رمزية إلى أهمية الاستفادة العلمية والعملية من تجارب الأجداد في صناعة المعرفة العمرانية والمعمارية، والقصة هنا تطول فيما يخص أهمية الآثار والتراث لحاضر الوطن ومستقبله.
المقال السابق استفز بعض القراء الأعزاء والبعض أكد على أهمية الابتداء بالأهم أولا في الكتابة عن البطالة والعمل واستشهدوا بأهمية الكتابة عن البطالة والإسكان وقضايا المجتمع الأساسية قبل الانتقال للترف، ومن ذلك أن الدعوة للاهتمام بحماية الآثار والتراث هي شيء من الترف وليس من الواجب إضاعة الوقت والجهد في التركيز عليه.
إن هذا الموقف من بعض الإخوة والأخوات القراء جعلني أعود مرة أخرى للموضوع وهي سابقة لي في العودة للموضوع بشكل مباشر، وذلك لأهمية إيضاح حقيقة أهمية الآثار والتراث ليس فقط من جانبه الاجتماعي أو العاطفي كما يطلق عليه البعض مع أن هذا الجانب مهم جدا، ودليل ذلك ما ذكرته في سياق المقال السابق من عودة عديد من المهاجرين الأوروبيين مثلا لأوطانهم الأصلية، ومنطلق ذلك هو الحنين للماضي مهما كان الحاضر أحلى وأكثر تطورا.
إن الاهتمام بالآثار والتراث إضافة إلى قيمته العلمية والاجتماعية والعمرانية والمعمارية العالية، إلا أن قيمته الاقتصادية تفوق ذلك بكثير على أساس العائد الاقتصادي المباشر وغير المباشر من خلال توظيف الآثار والتراث الوطني التوظيف السليم، ووفقا للمجلس العالمي للسفر والسياحة فإن قطاع السياحة يعد الموظف الأول على مستوى العالم مقارنة ببقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، وعندما يقال إنه الموظف الأول يقصد بذلك أن قدرته على إيجاد فرص العمل أعلى من أي قطاع اقتصادي آخر.
ووفقا لتقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة فإنه يشير إلى أن نصيب قطاع السياحة من إجمالي حجم التوظيف يراوح بين 2.1 في المائة وفق المفهوم الضيق و6.5 في المائة وفق المفهوم الواسع للتوظيف، وهذا يعني الزيادة المطردة المباشرة في عدد الوظائف التي يتطلبها سوق العمل في مجال الخدمات السياحية، التي تعتبر الآثار والتراث من عناصر الجذب الأساسية فيها، إضافة إلى الصناعات المرتبطة بها.
كما أن استثمار المواقع الأثرية والتراثية في المناطق والمحافظات والمدن والقرى التي لا يوجد فيها أي دور وظيفي اقتصادي قادر على تحقيق الاستقرار السكاني ودعم توطين التنمية وإيجاد الفرص الوظيفية. وعديد من مدن العالم يتم تنظيم الرحلات السياحية والاستكشافية لها لوجود بعض الآثار البسيطة، بينما ولله الحمد المملكة غنية بإرث حضاري إنساني يفوق ما هو موجود في تلك المدن، وتوظيفه حسب الخطة التي عملت عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار سيحقق خيري الدنيا والآخرة.
إن تحقيق تكامل الأدوار الوظيفية الاقتصادية بين مختلف المناطق والمحافظات وارتباط ذلك بالنظرة والاستراتيجية التنموية الوطنية، سيعزز من تحقيق أعلى العوائد التنموية الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع ككل وعلى كل حيز مكاني في المملكة بشكل عام، كما أنه يجعل من التنمية المستدامة حلما يسهل تحقيقه في ضوء الاستراتيجية التنموية الوطنية المدعومة بالإنفاق الحكومي السخي، ولعل الاطلاع على الأثر الاقتصادي لتطبيق خطة عمل الهيئة العامة للسياحة والآثار للفترة من 2012 إلى 2014، يعزز هذا الطرح.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل:
يا أيها الرجل الذي بوفائه
أضحى مثال الحب للإخوان
ما في الأخوة من وفاء خالص
كوفاء سلمان إلى سلطان
سميت باسم أخيك نجلاً رائداً
هو أول الرواد في العربان
فعلى أخيك من المهيمن رحمة
واسلم ونجلك في طويل زمان